
حياتنا محراب عبادة
قال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون ) (ِ 56) (سورة الذاريات )
إن هذه الآية الكريمة وكلماتها المعدودات تحتوي على معاني وغايات جما ، نستطيع ان نجعلها منهج حياة كامل لنا ، تأملوا وتفكروا بها وسوف ترون ان الحياة معها ومن خلالها تصبح اغنى واقل تعقيدا ، كيف …؟
لسبب ما او لعله قصور في فهم المراد من هذه الآية ، قمنا بتقزيم وإختصار المعنى الشامل للعبادة وعملنا على حصره وسجنه في محراب صلاة ، وفي صيام ايام معدودات ، ونفقة من مال ، وفي حج البيت ، واعتقدنا اننا اذا قمنا بكل هذا فقد كفينا ووفينا ما هو مطلوب منا بالعبادة ، وعليه حق لنا ان نستريح ونسترخي فضمائرنا وقلوبنا راضية مطمئنة …
ومع هذا المعنى الضيق لا تستغرب اذا رأيت احدهم يصلي .. ويسرق ويظلم ويغش في ذات الوقت ، فما قام به ببساطة ما هو الا عملية فصل بين عبادته وحياته ، فبإعتقاده أن هذا شئ وذلك شئ آخر ، لكن …
اهذا حقا معنى الآية ودلالاتها ؟ ام اننا فقط اخترنا الفهم الأسهل والأقرب الى هوانا ؟
أن تخلق لكي تعبد الله على هذه الأرض كسبب رئيسي أوحد لوجودك ، لا يعني ابدا صلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها من الشعائر المحددة فقط ، بل إن العبادة أكبر وأعم وأشمل من ذلك كله وما الشعائر الا جزءا يسيرا منها ، وما تحديد هذه الشعائر وتسميتها الا خطوط عريضة لتحديد معالم الطريق للناس للإسترشاد بها في اكتشاف ما هو أهم وأعظم من معاني وأهداف لا يصل اليها الإنسان الا بالتفكر والتعقل ، دون الإكتفاء بالفهم الأبسط الذي يعطيك الراحة الكاذبة بشكل مخادع لنفسك قبل خداعك لله او للناس ..
ماذا يعني أن تكون العبادة أعم وأشمل ؟
ان تكون العبادة أعم وأشمل ( حسب فهمي البسيط ) يعنى ان تكون منهج وطريقة حياة ، نحكم فيها الله في كل تفصيلة صغيرة او كبيرة من تفاصيل حياتنا ، في دراستنا ، في عملنا ، في تعاملنا اليومي مع اهلنا وابنائنا وازواجنا ، في معاملاتنا مع الآخرين ومن يحيطون بنا على اختلاف مواقعهم ، في ما حولنا من كائنات حية من غير البشر ، في اوطان نستظل في كنفها ، في مناصب نكلف بها او نعتليها ، في قيم نختارها ونؤمن بها ونحدد على هديها مسار حياتنا ، في طريقة تفكيرنا ، في اختياراتنا ، وفي قراراتنا ….
ان تكون العبادة أعم وأشمل يعني ان تظلل حياتنا كلها وكامل اوقاتنا بساعاتها ودقائقها ، أن تظهر وترى في اي مكان نتواجد فيه ، يراها الناس فينا ومن خلالنا ، في كل كلمة ننطق بها وفي كل عمل نقوم به ، ونراها نحن دائما حاضرة امامنا كمنارة لقلوبنا وعقولنا ، فالمرجعية واحدة والرؤية واضحة لا ضبابية فيها ولا متاهات تحيرنا وتخيم على دروبنا ، ولا تناقض او فصل بين المعتقد والسلوك على شكل انفصام يمزقنا …
وما نحن بها الا عابدين موحدين نمشي ونسعى في هذه الأرض …
واذا كان الله قد حصر علة وجودنا على هذا الكوكب بالعبادة ، أيعقل اذن ان تقتصر العبادة فقط على صلاة وصوم وزكاة وحج …..؟ ؟ ؟
لا إله الا الله ، العبادة لا يمكن أن تكون الا حياة كاملة ، ولكن اكثر الناس لا يعقلون …،

