وصفي التل

#وصفي_التل

د. حسن البراري العجارمة
سألني أحدهم لماذا يستحضر #الأردنيون #وصفي_التل بعد عقود طويلة على استشهاده، وكيف يمكن تفسير هذه المشاعر الجياشة تجاه شخص لم تعاصره الغالبية الساحقة منهم، ولماذا يغار منه المسؤولون الأردنيون؟
شخصيا، أعتبر وصفي التل أكبر و #أعظم_شخصية_سياسية أردنية منذ تأسيس الدولة إلى يومنا هذا، فهو رجل كان يؤمن بالدولة وقدم مشروعا لها وعمل على تنفيذه. وفي عهده أقيمت المشاريع الكبرى وأسست الجامعة الاردنية وقناة الغور الشرقية، والأهم ايمانه المطلق بالمواجهة مع الصهاينة إذ كان – وفقا للمرحوم عدنان أبو عودة – الأردني الوحيد في ذلك الوقت الذي كان يفهم الصهيونية جيدا وفهم خطورتها على الأردن.
لا أعتقد أن الجيل الحالي الذي يستحضر وصفي التل على علم كاف بمواقفه، لكنهم يستحضروه في كل مناسبة لأنهم لم يجربوا مسؤولا واحدا أو رئيسا واحدا للوزراء امتلك #ولاية_عامة وتصرف بمنطق #رجل_الدولة، فكلهم تصرفوا كموظفين صغار لبرامج تطبخ في مكان آخر ولاجندات مختلفة عما يعلن، وفي عهدهم اصبحت الحكومات تنفذ ما تراه حكومة ظل غير مرئية والمسؤولة عن كل التراجع الذي أصاب الدولة ومفاصلها، وفي عهدهم تماهت الدولة مع أجندات اقليمية تحدثنا عنها كثيرا.
وصفي التل فهم أن رجل الدولة ليس موظفا، بل سياسيا يدافع عن الدولة لكن ضمن رؤية، فهو بهذا المعنى يذكرني بالمحافظ إدموند بيرك الايرلندي الذي أيد النظام الملكي وكان متحفظا ازاء الديمقراطية والثورة الفرنسية لكن عندما تقرأ نصوصه تشعر بأنك تقراء نصا رائعا، فالدفاع عن النظام الملكي كان وفقا لرؤية وطنية وليس وفقا لرؤية ملكة بريطانيا في ذلك الوقت.
ومما زاد من حنين الأردنيين لوصفي التل هو اهمال الدولة الأردنية لتركة الرجل، فهو لا يذكر بمناهج مدارسنا، وكأن المطلوب شطبة من ذاكرة الأردنيين، وحتى في الجامعات لا تجد له ذكرا في متطلبات التربية الوطنية، وإن ذكر فإن ذلك يكون في سياق ذكر اسماء رؤوساء الحكومات، ولم ترع الدولة تكريس حقيقة أن وصفي التل هو رمز لكل الأردنيين ورمز للوطنية الأردنية بنسختها الجميلة.
بتقديري أن وصفي التل أغتيل أكثر من مرة، فالقتلة الذين اطلقوا النار عليه أنهوا مهمتهم وانتهى الأمر بالنسبة لهم، أما الاغتيال الحقيقي فهو ممنهج ومن أكثر من جهة ولأسباب مختلفة. النظام الرسمي يغار منه ولا يريد تكرار هذا النموذج القوي، كما أن توظيف وصفي التل ليمثل مجموعة ضيقة من الوطنيين فيه اختزال مجحف بحق زعيم الحركة الوطنية الحقيقي في الاردن.
من أجمل ما تقرأ عن وصفي التل تجده في كتابات ناهض حتر الذي هو الآخر أغتيل بدماء باردة في عز الظهر في عاصمة الأمن والآمان.
لكل هذا لن ينسى الأردنيون وصفي التل وسيبقى العلامة المضيئة في تاريخ الأردن والسنديانة الوحيدة الباقية ما بقيت الأردن. عظمة وصفي التل ورسوخه في وجدان الأردنيين تدفع من جاء بعده بالشعور بالدونية وهذا سبب الغيرة. كنت قد تعهدت بالابتعاد عن السياسة خلال كأس العالم للاستمتاع بمشاهدة المبارايات لكن كيف لي ألا أكتب في ذكرى استشهاد السياسي الأول في الأردن!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى