وحارتنا أيضاً..

مقال الإثنين 4-3-2019
وحارتنا أيضاً..
وها قد رحل “أبو عوّاد” أيضاً..رحل الصوت الأردني المميز الذي لم يتنازل عن لهجته حتى آخر “مشهدٍ” له في الحياة، رافقنا منذ السبعينات إلى أمس الأول بكامل قيافة الأردني وشهامة الأردني وطيبة الأردني وأحلام الأردني و تناقضات الأردني ..وبهذا الموت الجديد…تسدل الستارة على كبير الحارة ، ورب الأسرة ، وشيخ العشيرة و قناص الضحكة..
حتى حارتنا يا “أبا عوّاد” هي الأخرى فقدت هيبتها، مات جلّ كبارها أو أُقعدوا ، وصار الصغار كباراً..والهُزء وجيهاً ،والسفيه خطيباً، واللص أميناً، والعربيد شيخاً، والأرعن حكيماً، والخائن مناضلاً… لم نعد نشعر بدفء المكان يا عمّنا ، لم نعد نحسّ أنه لنا ،صار غريبا موحشاً طارداً قاسياً مظلماً، بعد رحيل الكبار اكتشفنا أنهم هم المكان والزمان ،هم الخلطة اللحظية للحياة ..قلت لك يا أبا طارق قد مات جلّ كبارنا او أقعدوا..فصارت البيوت خالية ، والمضايف مطفأة ، والأبواب مؤصدة ، حتى العشب لم يعد ينبت بين أحجار “السناسل” وأمام البيوت كما كان ، لم تعد حارتنا تحترم أبناءها ، أو تخاف عليهم ، أو تفرش عباءتها أرضاَ لهم…
“مرزوق” حارتنا يا أبا عواد لم يعد مرزوقاً، لقد أنهكته الضرائب فأغلق دكّانه ومات ، منذ سنين مكتوب على مخزنه “للإيجار” بدهان أحمر يسيل على تعرجات الغياب ، أما “سمعه” فحافظ على “سمعته” واعتزل الناس ، فضّل أن يشرب القهوة وحيداً فلا زبائن الحي يعرفونه ، ولا هو يعرفهم ،يغنّي أحياناً لنفسه ،لكنّه يبكي كثيراً يا عمّنا…أما “رشيدة الدجاني” فمثل كل الأمهات الرائعات الطيبات لم تعمّر كثيراً ، يذكرها بعض السكان القدامى لكن الجدد فلا يأبهون بالأسماء “الرشيدة”…”نجاح” تزوّجت في الخليج ولم تعد ولن تعود، أخذت برواز صورتك وغادرت ، وعواد نجلك الغالي..ما زال عاطلاً عن الأمل،مقرون باسمك ولا تفاصيل أخرى..و”أبو الخلّ” قدم للمرة العاشرة الفيزا على أمريكا وحتى اللحظة مجهول مكان الإقامة..
قلت لك يا أبا طارق..برحيلك لم تعد حارتك الموحشة الوحيدة ..وحارتنا أيضاَ…

بغياب الكبار تــُقضم تفاحة الحياة..

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أبو عواد أستبدل هم وجوهنا برسم إبتسامة ..مات “أبو عواد” يرحمه الله.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى