” وجع القلب !!”
مرة أخرى …. تلت مرات كثيرة … يلملم أشلاء ذكرياته … صورا لأماكن و أحداث …. و يعيد الكرة مرة أخرى …. حان موعد رحيل جديد !!
كفراشة تحوم حول ذلك الضوء الخافت … تعاود الابتعاد و تحاول الاقتراب … يصلها بعض الدفء و ربما تشعر في بعض الأحايين بمرارة الاحتراق …. لا تعيش و لا تموت و لكنها لا تكف عن تمرار ذات التجربة….
يجالس شاهد القبر و يمسح عنه بعض بقايا الغبار …. يجيل النظر حوله باحثا عن صدى لكلمة … أو همسة … إو بقية من ذكرى بعيدة …. فلا يجيبه سوى ذلك الصمت الطاغي الذي سكن القبور …. يطالع الاسماء على شواهد القبور و يغرق في تفاصيل تلك التواريخ … لكن كل ذلك يرتد إليه حسرة و ألما …. من هنا و من هناك …. يستجمع قواه ليتذكر أي شئ … يتحدث مع نفسه و لا يشاركه هذا المشهد سوى بعض دموع تاهت و لم تجد لها مستقرا عبر جبينه …. يحاول أن يخفي دموعه … فتداهمه ابتسامة صفراء … لا إحد هنا يكترث لك و لا أحد هنا يسمعك أو يصغي إليك ….
ينظر لبعض الشجيرات الصغيرة تتمدد فوق القبر معلنة ربيعا في غير أوانه …. يبثها نجواه لعلها توصل اشتياقه و حنينه … فتهب نسمة صيفية مضمخة باعتداء خريفي غير متوقع … فتنحني لتلامس تراب القبر و كأنها تهمس له ….
أيها القبر …أخبرني كيف ساكنتك ؟! … هل ترابك الذي غمرها أتعبها بثقله …. هل أرهقتها الظلمة و البرد و الوحدة .. أخبرها أنني عدت كي نكمل حكاياتنا … لكي أضمها و تضمني و نضحك معا و لو لمرة أخيرة… لم أستطع أن أذهب للبيت من جديد … أخشى أن أناديها و لا تسمعني … و لم أعد أجرؤ على الدخول لغرفتها …. أخاف أن أتأكد بأنها لم تعد هناك … لقد جلبت لها هدية من البعيد و لن أفتحها فلا يداهمني اليقين بأنها رحلت … أخبرها يا قبر أنني أتشبث بك مكانا أخيرا لامست فيه يداي ما بقي من جسدها قبل أن يغيب في باطنك … و لا تنس أن تخبرها بأنني صدقتها الوعد ولم أضع فوقها أي تراب …. و لم ير أي إنسان دمعتي في العلن …
سيلتهمني البعد و الشوق و الاحزان مرة أخرى … و سأترك ذلك المكان و ذلك الزمان في ذاكرتي التي توقفت عن الاتساع ..فآخر الصور بسمة أمي … و آخر المكان قبر أمي …آخر الزمان عندما ودعت أمي …يا وجعي الممتد كغيابك دون حدود.
” دبوس على الغياب ”