الذي حدث بالأردن / فهد محمد الطاهر

الذي حدث بالأردن ! و ما الذي سوف يحدث ؟

ارتأيت التريث قليلاً قبل كِتابتي لهذا المقال، لِئَلاّ أقع بمحظور العجلة بتنسيب رأيي بالمكان الخاطئ ولكن العقيدة السياسية الرسمية بالأردن أبت إلاّ أن تبرح مكانها الفكري و التنظيمي.

تطوّر التعبير عنّ الغضب بالشارع الأردني على مر العقود الماضية بنوع من التَدَرُجّ، فبعد أن كان الشارع يتهيب نقد مجلس النواب ، أصبح أكثر جرأه بالتعبير بسبب مخرجات سياسيات الدولة، و تناسبت حدة الغضبة تناسباً عكسيا، يتصاعد مع تقهقر الوضع الاقتصادي وقمع الحريات والأداء العام للدولة. فأصبح الشارع ينتقد النواب بالاسم، ثم الوزراء، فالوزراء بلاسم ثم الديوان الملكي فالملكة رانية العبدالله بالاسم وما حدث خلال الأيام الماضية هو خروج الشارع بشكل غير مألوف مطالبين بإسقاط الحكومة ورئيس الوزراء بعد أيام من خروجهم لإسقاط مشروع ضريبة الدخل وذُكر أسم جلالة الملك عبدالله الثاني بأكثر من محفل وعلى طول جغرافيا البلاد بصفته المسؤول الأول و الأخير عن أداء الدولة.

طُرحَ سؤالاً مهماً للغاية بالإعلام المحلي و الإقليمي العربي عن ماهية هذه المظاهرات ومن يقف ورائها و أسباب تطورها و من يدعمها، ووجدت جميع المثقفين و الإعلاميين و السياسيين قد انقسموا على أنفسهم قسمين: قسم يؤمن بأن الأردن بات تحت العقاب بسبب موقفه من صفقة القرن وقسم يقول بأن الوضع الاقتصادي المحلي هو السبب الدافع لما حدث. ولكنيّ أجد الصواب أن السببين اجتمعا معاً و تعاونا مع بعضيهما كجناحيّ طائر. تماماً كتسلسل الأحداث بسوريا و هو الطرح الذي يتناسب و تطورات الجغرافيا الأمنية والسياسية بالمنطقة، التي ما نحن عنها ببعيد.

الحقيقة هي أننا وقفنا، بقدر مَكانَتَنَا و إٍمّكانِيّاتِنا مع الدولة العربية السورية منذ الساعة صفر كما ادعيت بأن الحرب على دمشق وُلدت بالـ 2009 ونَضجت بالحادي عشر من تموز الـ 2011 وقُتلت على مائدة فطوري من يوم الجمعة الثالث والعشرين من حزيران 2016 الساعة السابعة والنصف تقريباً بتوقيت العاصمة الْقُدْسّ. ومع ذلك، فالحقيقة الأخرى هي بأنه لم يكن بمقدور أي دولة بالعالم أن تفعل ما فعلت بسوريا لولا وجود حاضنة شعبية أرادت الخروج على الفساد فتم استغلالُها وركوب موجتها وتحويل بوصلتها لخدمة مصالح المعتدين. وللأسف مازال الفسادُ قائماً، بل وازداد في بعض المواطن بسبب انشغال الدولة بمحاربة الإرهاب.

حقيقة عدم تجديد المنحة الخليجية للأردن، مع تأكيدنا على أنها “مكرمة خليجية” وهي ليست فرضاً واجباً على دُول الخليج ولا على أحدٍ أخرى. هو عدم قدرة دول الخليج إقتصاديا بسبب مغامراتها الغير محسوبة باليمن وسوريا الذي صاحب التعمد بتخفيض سعر النفط من جهة وسوء تصريف منحة الخمسة مليارات من قبل الدولة الأردنية من جهة أخرى. فقد صُرف هذا المبلغ خلال الخمس سنوات على قنوات ليست تنموية ولا منتجة على صعيد المشاريع الحكومية وتندرت حكومة دولة عبدالله النسور بتبرير صرفها لهذا المبلغ الضخم على “طرق داخلية جديدة” و إتهام “البيروقراطية” في سبل إنفاق المنحة الخليجية. فأتت تقييمات لجان المنحة الخليجية سلبية تجاه تجديد المنحة، وفرصة لدول الخليج بالتنصل من هذا العبء الاقتصادي الذي لا نستطيع أن نكابر على أنفسنا ونعتب على الآخرين لأجله بسبب إمعاننا بالفساد والإصرار على عدم التخطيط والحساب.

فالذي حدث فعلاً، كمَا أدَّعِي، هو التوافق المُسبق التخطيط و الجدير بالاهتمام و التمحيص الذي جمع وقت تجديد المنحة الخليجية و إملاءات البنك الدولي الضريبية بظهور صفقة القرن على الساحة السياسية لخلق بيئة ضاغطة مناسبة لفرض لإملاءات والشروط على الأردن.صفقة كهذه لن تنجح بدون الأردن، وتخليّ الهاشميين عن المقدسات هو انتحار سياسي والأصل بالمسألة هو تقويض الأردن لصالح مشروع الوطن البديل الذي يُعد محطة رئيسية لحل القضية الفلسطينية لحساب “كيان العدو” وهو الهدف الأسمى من صفقة القرن.

أما بالنسبة للمنحة الخليجية الخجولة التي قُدمت باجتماع مكة. ما هي إلا رِبَاط للسياسة الخارجية الأردنية، و هي منحة ضررها أكثر من نفعها فلا يستطيع الأردن بسببها التقدم شمالاً وشرقاً لتحسين موازين الجغرافيا السياسية لصالح محور المقاومة الذي لا يريد الأردن وطناً بديلاً لأحد من جهة و لا تستطيع السياسية الخارجية الأردنية من التوبة من هرطقتها باسم الاقتصاد من جهة أخرى. فمن اختلط عليهُم “الحابل بالنابل”؟ ها قد أتاكم ما كنتم به تخوضون.

فعلى نقيض ما تأمله الشارع الأردني بعد المظاهرات الغير مسبوقة التي شهدتها البلاد، أتت التشكيلة الحكومية الجديدة بقيادة دولة عمر الرزاز لِتُنذر الجميع باجترار فج للسياسات السابقة، وإن سحبت قانون الضريبة الجديد، مازال الحرس الفكري القديم وعقيدته السياسية المهترئة سيد المشهد السياسي الأردني. فبعد الإبقاء على حوالي خمسة عشر وزيراً من حكومة دولة هاني الملقي، الذي جعل الحكومة الجديدة أشبه بالتعديل الوزاري الطفيف منها بالتغير بعيون العموم، و تكليف كبار السن ممن تجاوزوا الستين و السبعين من العمر، فَقَدَ الشارع الأردني الأمل بالتغيير الحقيقي وخصوصاً بعد المخالفة الصارخة لتوصية الملك عبدالله الثاني بخطابه الأخير بتكليف حكومة شابة قادرة على فهم الشارع ومتطلبات المرحلة.

التشكيلة الوزارية الجديدة بالأردن دليل فاصل على أن الدولة دَغِصَت بالفساد وأثقلت عن الإصلاح والتغير. وأثبتت للعموم أنه ما يلبث أن يأتي رئيساً للوزراء، إلا وكان يَدًّعِي الإٍصْلاَحَ وَ يَأَتِي بغير ذلك. الحالة التي وضعتنا بدورها بنوع من صراع تشاؤم العقل بسبب الخبرات مع الحكومات السابقة وتفاؤل الإرادة بسبب نجاح المحتجين بإسقاط الحكومة و رئيس الوزراء و الحلم بالتغيير والتي وصفها الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي الذي لا أحبه بمصطلح “المُتَشَائِل”. فنعم، أنا مُتَشَائِلٌ، وها أنا مغصوبٌ على الاقتباس من هذا الرجل، فتصوروا صعوبة الموقف.

ختاماً: هذا الاستمرار بالنمطية الرسمية و التشدق بعدم التغيير و التَفَيّهُق بتبرير الأسباب سيؤدي إلى استمرار الاحتقان الشعبي الأردني وتصاعده بالمرحلة المقبلة. فقد كان من الحكمة تعيين وجوه جديدة بهذه الحكومة كمحاولة لإثبات جدية الدولة بتغيير النهج الرسمي المضطرب سياسيا واقتصاديا، ولكن لم نؤتى من هذه الحكمة إلا قليلا. فمازال الأمن الاجتماعي والاقتصادي في خطر ولا أعتقدُ، جازما – بقدرة هؤلاء على حل أي مشكلة وخصوصا مشكلة الأمن الاقتصادي الذي بدوره يُشكل الركيزة الأساسية للأمن الاجتماعي و الأمن بمعناه المجرد.

كاتب أمني واجتماعي
بريد: fhd.altaher@gmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى