وأخيرا…

وأخيرا…
جمال الدويري

تنتفض مؤسسات الدولة الأمنية، بعد ان تغطّت سياسيا، وترسل أشاوسها لإنقاذ الأمن والحياة، ووضع حدّا للبلطجة والتطاول على المواطنين وهيبة الدولة وسيادة القانون، لتمنح المواطن المنهك اصلا، بيئة أمنية أفضل للحركة والعمل وطلب الرزق، بل والطمأنينة على نفسه وأهله وممتلكاته.
خطوة جريئة في مكانها، متأخرة في زمانها، ان أردنا الحديث بموضوعية وصدق، لأن الأصل بالأشياء، ان لا يجد البلطجية والزعران، بالمطلق وعلى مساحة الوطن، مكانا آمنا لهم تحت شمس الوطن، ولو في سراديب الرذيلة الرطبة المخفية، او أقنان الدجاج المنزوية في زوايا النسيان، وانه من البديهي، ان يكون الصراع مستداما وفي كل آونة وحين، بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، بلا هوادة او استراحة او فرصة للمردة والمارقين لالتقاط الأنفاس، او فسحة للتنظيم وفرض الخوف وسطوة الموس والشفرة.
يقول المثل الشعبي الحكيم: من شرد ورد عدّه ما شرد، ويقول آخر: ان تأتي متأخرا خيرا من ان لا تأتي ابدا.
نبارك للوطن هذه الجهود الأمنية الرائدة والقرار السديد، وندعو الله ان يشد همم الرجال ويسدد وثبتهم لما به صالح الوطن والمواطن، وأن يزيغ بصر وبصيرة كل من اراد بالأردن شرا وبأهله ترويعا وخوفا، ويوقعه بشر اعماله ونواياه.
ومع هذا، ودون نية التشكيك والاستنكارية المتسائلة، فإنه ليحضرني بعض الأسئلة البريئة التي يصعب عليّ ابتلاعها والاختناق بها:
اولا، لماذا الآن، وخطر البلاطجة والأتونجية، ليس وليد الساعة، والشكوى والأنين الشعبي، ليس من مخلفات كارثة الزرقاء الإرهابية؟
ثانيا، ومثل هذا، استغرب صمت الجميع المريب، على خدمات الكثيرين من نوابنا ومسؤولينا بأعلى المستويات، وفزعتهم للدفاع وتكفيل هذه الطغمة الموتورة والمفصومة من الزعران، وشد ظهرهم، وإعادتهم من الحجز والعقاب، الى الشارع ونتانة جحورهم الخاصة، لاستئناف ممارساتهم الجنائية والترويع والترهيب ونهب الناس رزقهم وقوت عيالهم؟
ثالثا، نعرف ان غالبية الأجهزة العالمية في العالم، تنزع لاستخدام، الزعران ومن هم على شاكلتهم، ولسهولة زرعهم، في أوساط الجريمة والخارجين على القانون، لتوفير المعلومات اللازمة للمكافحات الأمنية ورصد المجرمين وإخراجهم من الخدمة، ولكننا لا نفهم، ان يصبح لهذا الزرع الخبيث، امتيازات ووزنا واياد طويلة وظهرا يسندهم على الباطل ويتكفل حريتهم اثر خروقاتهم الجسيمة للقانون، بدل شراء خدماتهم بقروش او دنانير معدودة، ومكافآت خدمية بسيطة، لا تجعل منهم شواحط مجتمعية ذات معنى ووزن بل وتوصل بعضهم للكراسي والمناصب والثروة؟
رابعا، الفساد، ايها السادة، هو بلطجة وأتونة وخروج سافر على القانون، بل انه تدمير وطن وهدم اساسات دولة، فلما الاحجام عن اطلاق حملات امنية استخبارية مماثلة تقطع دابر الفساد، وتطهر الوطن من اصحابه وتكسر ظهره حقيقة وفعلا؟
وأكتفي بهذا القدر من الفضول والأسئلة، رغم وجود المزيد لديّ، وغيري من المواطنين العاديين مثلي، وحتى لا اتطرق للاستفسار عن ظهور الكثيرين من الموشمين وأصحاب القيود والاعتداء على تجمعات شعبية وحراكية سلمية للمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد.
حمى الله الأردن العظيم، والسلامة لكل من امتشق قناعه الأسود، وعزيمته ووطنيته، وخرج للجهاد ضد الباطل وسوءة الأشرار، ليخرج الأفاعي من جحورها ولدرء اخطارها ووقاية الأهل من سمومها وأنيابها.
ولا أنسى ختاما، ان اتوجه بالدعوة والرجاء العميق، لكل فرد من أشاوسنا الأمنيين، الذين يحملون ارواحهم دائما على اكفهم من اجل الأردن والأردنيين، ان يضع الله ومخافته، وحسه الوطني وضميره الواعي، والقوانين الناظمة، قيد عينيه ورهن عمله ومهمته وأسلوب انجازها ومدى تحقيق الواجب الموكل اليه، تجنبا لخسائر النيران الصديقة، لا سمح الله.
وفقكم الله وسدد على طريق الخير والرشاد رميكم ودربكم وخطاكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى