هل نجحنا في تطوير المناهج؟!

هل نجحنا في #تطوير #المناهج؟!
بقلم: د. ذوقان عبيدات
تهدف هذه المقالة إلى وضع #أسس #علمية وتربوية بوصفها متطلبات لتطوير #المناهج، و #الكتب #المدرسية في مختلف التجارب المحلية والعالمية. وليس الهدف أو الغاية منها هو تقويم التجربة الأردنية في بناء المناهج وتطويرها. وستتخذ هذه المقالة من تجربة المركز الوطني لتطوير المناهج الأردنية نموذجا لما يمكن أن تستخدم فيه هذه المعايير.
بدأ المركز الوطني لتطوير المناهج أعماله سنة ٢٠١٩، وكان الهدف هو بناء مؤسسة وطنية قادرة على إحداث نقلة نوعية في المناهج والكتب المدرسية تكون أساسا لتطوير التعليم. وكأي مؤسسة أردنية سيطر عليها الفكر الانتهازي في العمل، وهو التفرد والتكويش وإبعاد العارفين والمختصين!
بدأ المركز برئاسة ناجحة أحيطت بمجموعة انتهازيين، توجهت نحو شركة أجنبية (كولينز) لنقل تجربتها في مناهج العلوم والرياضيات! بحجة أن هذه المواد علمية وعالمية لا تتأثر بالبعد الوطني!
حدث ما حدث، وتعاقدوا مع شركة كولنز الشهيرة، وفريق محلي لا تجربة له في هذا المعترك! حدثت ضجة، كان بعضها سياسيّا، وبعضها دينيّا، وبعضها تربويّا! اختلط الحابل بالنابل! ولم يتمكن المركز من إنجاز المهمة! وفشل مشروع التطوير علما بأن هذه القيادة نجحت في إدارة الثقافة والتربية والعلوم في العالم بفاعلية مشهودة، ونجحت كذلك في بناء جامعة اليرموك، وجامعة البترا، واختراع مهرجان جرش للثقافة والفنون.
وفي سنة٢٠٢٠ تم استبدال قيادة جديدة بالقيادة السابقة، حيث عملت بهدوء، ونجاح ووعي تمكّنت من إنتاج مجموعة من الأدوات: إطار عام، أطر خاصة بمختلف المواد، كتب علوم ورياضيات، وتربية إسلامية، ومناهج رياض أطفال! ودليل لتعليم التفكير، ودليل آخر بعنوان: استراتيجيات حديثة في التدريس.
وهكذا، ستقودنا خطة القيادة الجديدة، إن لم يعرقلها أحد إلى مناهج، وكتب مدرسية جديدة قد تكتمل في السنوات القادمة، ربما من خمس إلى سبع سنوات؛ لتعلن أنها أكملت لنا مناهجنا، ورضيت لنا كتبها تطويرا! لكن السؤال المهم هو: هل رضينا “نحن” بكتبها؟ قبل الإجابة علينا معرفة مَن هؤلاء الــ”نحن”؟
“نحن”، هم التربويون المختصون من أصحاب الخبرة المحلية والعربية، والدولية في بناء المناهج! و”نحن”، هم أصحاب الرؤى والفلسفة التربوية المستقبلية! و”نحن”، هم الملتزمون بمعايير بناء المناهج، ومعايير التطوير!
وللتعريف بمن هم “نحن” أقول:
“نحن”، كل من يرى أن عملية تطوير المناهج تحتاج إلى الالتزام بالمعايير العلمية والتربوية والاجتماعية والإنسانية الآتية:
١-الرؤية المستقبلية.
٢-العمل المؤسسي.
٣-حاجات الطلبة.
٤-حاجات المجتمع.
٥-فلسفة التربية.
٦-منطلقات التغيير وسياساته.
٧-النقلات المراد إحداثها في التعليم.
وتحت هذه العناوين، ستحاول جماعة الـ “نحن” أن تضع المبادىء الآتية أساسا للتطوير:
المبدأ الأول: الإنجاز أكثر أهمية من الأداء، فليس المهم أن نقول: عملنا كذا وسنعمل كذا، بل ما ينتج عن أعمالنا من تغييرات! وهذا ليس مبدأً خلافيّا.
المبدأ الثاني: إن من ساهموا في خلق المشكلة ليسوا هم الأكثر ملاءمة لحلًّها.
المبدأ الثالث: إن التطوير يتطلب تجاوز الواقع: بخططه وبرامجه، وسياساته، وإن المراوحة ضمن أسر الواقع لن تسمح لنا بتطوير حقيقي.
المبدأ الخامس: إن سقف عملية التطوير يجب أن يلتزم بسقف مهارات المعلمين، وإن أي تطوير يفوق قدرات المعلمين سيحدث نتائج عكسية.
المبدأ السادس: المعلمون يجب أن يعلّموا أطفالنا بدلا من تعليم موادهم الدراسية،! ففرق كبير بين أن أعلّم الطفل أو أعلّم التاريخ أو الدين أو الجغرافيا؛ فالفلسفتان مختلفتان جدّا.
المبدأ السابع: إن التطوير يعني أن نعلّم المواد الإنسانية بأسلوب علمي يستند إلى البحث والدليل والدقة والموضوعية، وتعليم المواد العلمية بأسلوب إنساني يقدر اهتمام الطالب وحاجاته، إلى الاهتمام والشراكة والمشاركة والاحترام والتقدير.
إن جماعة الـ”نحن” ليست مجموعة أفراد، بل مجموعة قيم تربوية وإنسانية وعلمية وتكنولوجية وسيكولوجيّة ملتزمة بالمبادىء السبعة، وبالمعايير التي حددناها أعلاه. طبعًا نتمنى أنّ مَن قادته ظروف الأردن لهذه المهمة التطويرية أن يكون جزءًا من مجموعة الـ “نحن”، ولكن سنقرر ذلك في ضوء تحديث عملية تطوير المناهج وفق المعايير أعلاه.
أولًا- الرؤية المستقبلية
هل امتلك المركز الوطني رؤية مستقبلية؟ بل هل لديه رؤية حتى غير مستقبلية؟ وهل هذه الرؤية موجودة؟ وهل أعددنا الإطار العام والأطر الخاصة والكتب وفق رؤية؟ وهل عرف المؤلفون هذه الرؤية؟ ومن فسّرها لهم؟ ومن تابع تنفيذها وتطبيقها؟ ومن شرحها للأهالي والمعلمين والطلبة؟
لن تجيب جماعة “نحن” عن هذه الأسئلة، لكن نذكِّر بأن المركز الوطني أخذ الرؤية القديمة المتمثلة بالخطة الدراسية القديمة جدّا، تلك التي وضعتها وزارة التربية منذ عشرات السنين! وأن تلك الخطة تحدد بدقة ما الذي سيتعلمه الطلبة من مواد في كل سنة؟ إن جماعة الـ “نحن” تذكِّر أن السنوات العشر الماضية والسنوات القادمة طرحت عشرات المواد الجديدة التي حلمنا أن يشتبك معها مركزنا العتيد!
وأذكر أن السعودية طرحت سبع مسارات للتعليم، كل مسار يحوي مواد دراسية جديدة: كالمواطنة الرقمية، والمنطق والثقافة السياسية، وعلم النفس، والتفكير والمنطق، وسيادة القانون، وتلك المادة المحرمة عندنا وهي الفلسفة!!
إذن: “نحن”، سرنا على ما وجدنا آباءنا عليه، وإنا بهم لمهتدون! نعم أخذنا منهاج علوم ووزّعناه على عدد الحصص المقررة لكل صف منذ عشرات السنين! فعن أي رؤية نتحدث؟
ثانيًا- فلسفتنا في التطوير
ترتبط هذا الفلسفة بالرؤية، فإذا غابت الرؤية يصعب توقع فلسفة، إن فلسفة التطوير وفلسفة التعليم تحتاج الإجابة عن أسئلة مثل: ما مفهومنا للتعلم؟ ما علاقته بالتعليم؟ ما نموذج المتعلم؟ وما معايير التعلم؟ وهل نقبل اختلافات المتعلمين وتمايزاتهم؟ أم نريدهم كأسنان المشط أو علب البيبسي؟ وهل يتعلم أبناؤنا كيف يعيشون أم كيف يحفظون؟ هل نعلم المادة كونها هدفا أم وسيلة؟ وهل نعلم موادّ أم أطفالا؟ وهل نعلم الماضي أم المستقبل؟
هذه مفاهيم جماعة “نحن” عن فلسفة غائبة، أو موجودة في مكان لم يشاهده أحد! يقولون: لدينا إطار عام احتوى هذه الفلسفة! نعم صحيح، لكن من اطّلع منكم ومن موظفيهم – على قلتهم: محاسب وإداري ، وسكرتيرة – على هذا الإطار العام؟ وهل تجسّد ذلك في كتبنا؟

المعيار الثالث: المؤسّسي
المركزهو مركز وطني يفترض أن يكون مؤسّسة لها ثقافتها، وقيمها وتقاليدها وهيكلها وتنوّع مهامها، وأصدقاؤها، وتنوّعها، وامتدادها ..إلخ، لكن نظام المركز أهمل التأكيد على وحدات للبحث التربوي والتطوير والإرشاد المهني، وتنمية المعلمين، وحقوق الطلبة، وتجريب الكتب. والواقع يشير إلى وجود نظام يضع كل السلطة لا معظمها في يد شخص غير متفرغ يرأس مجلسًا تمثيليّا من غير المختصين في المناهج، ففيه مفتٍ، وممثل عن جامعة وعن وزارة، لكن ما هو مؤكّد ليس فيه من يحمل شهادة أو خبرة في المناهج، إذن: هو مجلس تمثيلي غير فني، ولم يعرف عن أعضائه اهتمامات تربوية في هذا المجال!
وهناك مجلس تنفيذي فني جدّا! لم يتخذ أي قرار إداري تنفيذي، ويُحظَر عليه عقد اجتماعات تزيد عن اجتماعين شهريّا وهو ليس معنيّا بإقرار قضايا فنية،
للعلم من يقرّ الكتب هو مجلس التربية، وهو خارج المركز الوطني، إذن: هناك قرار غير مؤسّسي وعلى سبيل المثال: كيف تتم عمليات اختيار المؤلفين؟ هل يعلن عن ذلك؟ هل لدى المركز معايير اختيار؟ هل يتم تدريب المؤلفين؟ بل هل تعطى لهم توجّهات؟ من يتابع أعمالهم تربويّا؟ سيكولوجيّا؟ وطنيّا! مفاهيميّا؟
المعيار الرابع: حاجات الطلبة وحاجات المجتمعات
إن من بدهيّات تطوير المناهج أن تُبنى على حاجات الطلبة وحاجات المجتمع، بل وضعت وزارة التربية خطتهاسنة١٩٨٥ لتطوير المناهج؛ استنادًا إلى دراسات عن هذه الحاجات! طبعًا الوزارة لم تنفذ! لكن في هذا العصر الرقمي وفي عصر تغير قيم المكان والسُّلطة، والسيادة والفردية، وسقوط العلاقات الهرمية لصالح الشبكية، في عصر إنترنت الأشياء نقول للطلبة: اكتب ما تعرف أو اذكر ثلاثة عوامل؟ أو من القائل… إلخ، دون حاجات الطلبة وحاجات المجتمع!!
ما حاجات المجتمع ؟ إن من يدخل المدرسة سنة ٢٠٢٢ قد لا يجد أي مهنة مما يألفها الآن!
إن جماعة الـ”نحن” لا ترى تطويرًا دون هذه المتغيرات!
المعيار الخامس: النقلات المطلوبة
قد يشمل هذا المعيار جميع ما سبق؛ لأن التطوير يعني إحداث نقلات في واقع التعليم تحددها مجموعة ال “نحن” بما يأتي:
-من مناهج مواد دراسية، إلى مناهج مهارات حياتية.
-من مناهج معلومات وحقائق، إلى مناهج مفاهيم ومبادىء.
-من مناهج اليقين والمطلَقات، إلى مناهج الفحص والتأمّل والشك.
-من مناهج هرمية، إلى مناهج شبكيّة أفقيّة.
-من مناهج أفق ميل وعمق سنتمتر، إلى مناهج العمق والسّعة.
٥-من مناهج الكَمّ، إلى مناهج النوع.
٦-من مناهج الحفظ، إلى مناهج الوعي.
٧-من مناهج الصلابة والكولسترول المعرفي، إلى مناهج المرونة والسيولة.
٨- من مناهج الامتحانات، إلى مناهج التقييم والتقويم.
٩-من مناهج تعذيب الأطفال، إلى مناهج متعة التعلم.
هذه بعض منطلقات مجموعة الـ “نحن” علّ ذلك يسهم في تعديل التطوير؛ مكرّرا أن الهدف من هذه المقالة ليس نقدا لتجربة بعينها، بل محاولة لتوجيه أي تجربة لتتجاوز ما يسمّى بالفاقد المناهجي. لدينا خطة واسعة لإعداد مناهج حدبثة تُبنى على أسس جماعة الـ “نحن”. أحيّي جهود العاملين جميعهم في هذا الميدان، آملين أن يتوجهوا نحو المعايير المذكورة لتطوير المناهج.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى