هل أخفت ” ويكليكس ” هذه الرسالة .. ولماذا ؟

سواليف

أشار موقع “ديلي دوت” في تقرير نشره مساء الخميس 8 سبتمبر/أيلول إلى استبعاد وثائق ويكليكس المنشورة عام 2012 لسجلات حول تحويل ملياري يورو من النظام السوري إلى بنك روسي حكومي، طبقاً لوثيقة مسربة من محكمة أميركية، استطاع الموقع الحصول عليها.

وقال التقرير لقد أضحت ويكيليكس قوة بارزة في الانتخابات الأميركية أكثر من أي وقت مضى، عن طريق نشرها عشرات الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني والبريد الصوتي والوثائق التي تخص اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي والتي تم الاستيلاء عليها بواسطة قراصنة الإنترنت، الذين تعتقد السلطات الأميركية وخبراء الأمن السيبراني أنهم على صلة بالحكومة الروسية.

تواجه “ويكيليكس” التي تفخر بالالتزام باستخدام “التشفير لحماية حقوق الإنسان” ضد الأنظمة القمعية، انتقادات من أنصار المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وتلقى الثناء من منافسها الجمهوري دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

حرب التسريبات

يؤكد التقرير أن السجلات الممهورة بختم محكمة مانهاتن الفيدرالية والتي حصل “ديلي دوت” عليها من مصدر مجهول، توضح بشكل مفصل كيف قامت مجموعة من قراصنة الإنترنت باختراق شبكات الحكومة السورية عشية اندلاع الحرب الأهلية السورية، واستخلاص رسائل بريدية عن تحويلات بنكية ضخمة كان النظام السوري يجريها على عجل أثناء تطبيق حزمة العقوبات الاقتصادية. ووجدت غالبية الرسائل طريقها إلى قاعدة بيانات “يكيليكس” بحلول ربيع 2012.

ويؤكد التقرير أن مجموعة بعينها من الرسائل الإلكترونية لم تدخل ضمن الذاكرة المؤقتة للوثائق المنشورة على موقع ويكيليكس في يوليو/تموز 2012 تحت اسم “الملفات السورية”. وبينما ينكر موقع ويكيليكس حجب الوثائق، يقدر مراسل “ديلي دوت”، أنه تم نقل أكثر من ملياري يورو (2.4 مليار دولار أميركي) من البنك المركزي السوري إلى بنك “في تى بي” الروسي.

مجموعة RevoluSec للنضال الإلكتروني

بحلول خريف 2011 فقدت الحكومة السورية السيطرة على غالبية شبكات الحاسوب كأنها لم تكن تحت سيطرتها من قبل. وصلت لدرجة “اعتراف” نظام بشار الأسد، الذي تدعمه روسيا حالياً في الحرب الأهلية المستمرة، إعلان سيطرة أحد قراصنة الإنترنت على “جميع بروتوكولات الإنترنت” في البلد.

وقد أعلن قرصان إنترنت في إحدى غرف الدردشة أثناء حديثه لزملائه أعضاء مجموعة RevoluSec من المناضلين الإلكترونيين الداعمين للثورة الذين نفذوا العديد من الهجمات الإلكترونية المتطورة ضد الحكومة السورية لمدة عام تقريباً: “لقد استطعنا بشكل أساسي، الوصول عدة مرات للمحولات الداخلية للبوابة الرئيسية للاتصالات في سوريا، وإلى حد ما البنية التحتية للهاتف، وربما التلفاز أيضاً”.

يقول أحد ممثلي RevoluSec في مقابلة مع “الجزيرة” نُشرت في سبتمبر/أيلول 2011: “حتى أكون أميناً فإن المناضلين ظلوا لمدة عام يحاولون القرصنة”، ويضيف: “لكن التركيز الشديد كان في البحث على نقاط الضعف، وعندما كسرت، كانت هائلة”.

وحول المستوى المهاري لأعضاء RevoluSec يقول المتحدث: “لدينا فريق عمل على مستوى عالٍ من المعرفة، وهم أشخاص بارعون في مجالهم. على عكس ما يبدو حال إدارة النظام في سوريا. لقد كان أمنهم الإلكتروني مهلهلاً، ما يسمح لأي شخص يبحث بجد عن نقاط الضعف أن يجد ما يريد”.

هزيمة النظام السوري في حرب العقول

تكشف أكثر من 500 صفحة من الوثائق المختومة، عن تفاصيل غير عادية، لقدرة عدد من النشطاء السيطرة شبه الكاملة على شبكة الإنترنت السورية وتسخير هذه السلطة لوضع الرقابة طوال الوقت على العديد من قيادات وزارات الدولة. لقد تراكمت السجلات المسربة بين يدي الحكومة الأميركية أثناء التحقيق في قضية جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، والقراصنة التابعين له حول العالم، كما أكد فريق RevoluSec أنه مصدر “ملفات سوريا” والتي بلغت مليوني رسالة إلكترونية تخص الحكومة الإلكترونية نُشرت على موقع ويكيليكس نهاية صيف 2012.

تقدم الوثائق المسربة دليلاً أن بعض الرسائل التي اعترضتها RevoluSec لم تجد طريقها إلى قاعدة بيانات ويكيليكس، رغم حماس القراصنة لعرضها.

استطاع فريق RevoluSec ومن حسابهم الخاص الدخول سراً ودون عوائق إلى “جميع أجهزة التحويل والتوجيه” الخاص بنظم التحكم الذاتي السورية، والتي تجمع شبكات بروتوكول الإنترنت الضرورية، للسيطرة على الدخول على الإنترنت في جميع أنحاء سوريا.

نموذج رسائل لم تنشر

إحدى الرسائل الإلكترونية التي اعترضها فريق RevoluSec لكنها لم تنشر على موقع ويكيليكس، موقعة من قبل سالم طوباجي، رئيس الخزانة في البنك المركزي السوري. وتؤرخ الرسالة بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2011، لإخطار البنك الروسي “في تي بي” بارتفاع مبلغ الإيداع إلى أكثر من ملياري يورو. كما تضمنت الرسالة الإلكترونية طلباً من جانب طوباجي لمدير بنك “في تي بي” المالي، أندري جالكن، فتح حساب “بالروبل الروسي”.

الظهور الأول للعلاقات المالية السورية الروسية

برز التبادل المالي بين سوريا وروسيا على السطح لأول مرة على موقع ويب مفتوح منذ 3 سنوات تقريباً من خلال سجل دردشة مسرب بتاريخ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بين أحد موظفي ويكيليكس وقرصان لولزسك هيكتور مونسيجور، الذي وقع قبلها على اتفاقية تعاون مع المباحث الفيدرالية الأميركية للالتزام بتوفير حضانة لطفلين تحت رعايته. وما يثير السخرية ولم يكن معلوماً لدى مونسجور أن موظف ويكيليكس سيجوردور ثوردارسون كان قد تطوع لمساعدة مكتب التحقيقات قبل 3 شهور. (يقضي ثوردارسون حالياً المدة المتبقية من عقوبة السجن 6 سنوات بالقرب من ريكيافيك، آيسلاند بتهم الاحتيال والتزوير وممارسة الجنس مع قُصر).

وتمثل الوثائق التي وصلت ويكليكس في نوفمبر المشار إليه جزءاً ضئيلاً من ملفات سوريا، والذي يشمل اليوم 5 أشهر إضافية من الرسائل الإلكترونية الجديرة بالاهتمام. وفي مرحلة ما بعد مارس/آذار 2012، مررت مجموعة RevoluSec أو أحد أعضائها دفعة أكبر من ملفات البريد الإلكتروني الاحتياطية.

لكن بصرف النظر عن هذا، من المفترض أن “ملفات سوريا” لا تزال تحوي رسالة البنك المركزي المؤرخة بتاريخ 26 أكتوبر 2011 فيما يتعلق بملياري يورو في بنك موسكو.

فقد نشرت ويكليكس رسائل إلكترونية عديدة مستلمة من قبل نفس البريد الإلكتروني (treasury@bcs.gov.sy) منذ ذلك اليوم. وما تم تسريبه من سجلات المحكمة لموقع “ديلي دوت” يكشف أن رسائل بنك موسكو الإلكترونية كانت في الواقع جزءاً من ملف احتياطي أكبر يشمل العديد من الرسائل الإلكترونية الموجودة حالياً على موقع ويكيليكس. إحدى هذه الرسائل مثلاً نوقشت بعمق من قبل أعضاء RevoluSec لمدة أكثر من 9 شهور قبل أن تنشرها ويكيليكس، وهي تشرح نقل 5 ملايين يورو من بنك فرانكفورت بألمانيا إلى البنك المركزي في النمسا، والمرسل إليه طبقاً للرسالة هو البنك المركزي السوري.

“آمل ألا يقتلني الروس”، قالها أحد القراصنة أثناء نقاش حول نيته فضح عملية التحويل المزعومة. وأضاف: “أخشى روسيا أكثر من خشيتي بشار”.

“ديلي دوت” يؤجل نشر وثائقه

(وبناء على طلب من مصدر مطلع من أعضاء RevoluSec فقد قرر “ديلي دوت” عدم نشر الوثائق المتعلقة بمجموعة RevoluSec في الوقت الحالي لإبعاد الشبهات عن القراصنة الذين يمكن التعرف عليهم ويعتقلوا وربما يصابوا بأذى في بلدانهم، والتي من بينها اليمن وسوريا).

“ويكليكس” تنكر الاتهامات

ورداً منها على طلب التعليق قالت “ويكيليكس” إن الحساب المشار إليه “وهمي” وواصل المتحدث: “لقد شمل النشر رسائل عديدة تشير للعلاقات بين سوريا وروسيا. ومن سياستنا على المدى البعيد رفض التعليق على المصادر المزعومة. ومن المخيب لآمالنا أن نرى موقع ديلي دوت ينشط لصالح حملة هيلاري كلينتون ضمن نظرية المؤامرة للمكارثيين الجدد تجاه الإعلام المعارض”، وقد توعدت ويكيليكس بالانتقام من المراسلين إذا تابعوا القصة.

بعد أيام قلائل من اكتشاف رسائل البنوك السورية الروسية، قدم أحد أعمدة مجموعة RevoluSec وهو ممن يطلبون إذناً قبل اتخاذ أية تحركات جذرية، قدم عرضاً لفكرة أخرى: “سيكون من الممتع تغيير بعض تفاصيل هذه الرسائل وإرسال 100 مليون إلى ويكيليكس”، وأضاف: “أعلم جيداً أنها لن تنجح نظرياً، ولكنهم حمقى أمام الرسائل”.

بينما لا يوجد أي دليل على تنفيذ مجموعة RevoluSec هذا الاقتراح، والذي هو غالباً مجرد مزحة، فإن الحادث يثير الشكوك حول ممارسات الموقع وكونه ينشر مواد يستقبلها من مصادر مجهولة غير موثوقة.

ورداً على سؤال حول احتمال الخداع، رفضت “ويكيليكس” رفضاً قاطعاً، وقالت في ردّها: “إن جميع الملفات السورية التي حصلت عليها ويكيليكس تم نشرها وتوثيقها”.

هافنغتون بوست

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى