نُمُوّ ١.٨٪.. ماذا يعني؟ / سلامة الدرعاوي

نُمُوّ ١.٨٪.. ماذا يعني؟

عندما يُحقّق الاقتصاد الوطنيّ في الربع الثاني نُمُوّا اقتصاديّاً بنسبة ١.٨ بالمئة يعني هذا أن فرضية الحُكومة بتحقّيق نُمُوّ اقتصاديّ خلال عام ٢٠١٩ بنسبة ٢.٣ بالمئة لن تتحقّق بالشكل المُستهدف، وهذا يُشكّل ضربة واضحة للسياسات الاقتصاديّة التي اتبعت منذ بداية العام، وأن الفرضيات تُخالف الحقيقة والواقع الذي تعيشه القطاعات التنمويّة المُختلفة.

نُمُوّ اقتصاديّ بنسبة ١.٨ بالمئة في الربع الثاني الذي يفترض من الناحية النظريّة أن يكون انشط خلال هذه الفترة من السنة اقتصاديّاً يعني أن الربع الثالث قد يكون نُمُوّه الاقتصاديّ اكثر مما تحقّق في الربع الثاني.

نُمُوّ الربع الثاني بهذه النسب المتواضعة يُدلّل على أن الاقتصاد مازال يقبع تحت تباطؤ النُمُوّ الذي يعشه الاقتصاد الأردنيّ منذ عام ٢٠٠٩، وأن جميع السياسات والإجراءات التي اتبعت منذ ذلك الحين لن تغيّر في مشهد النُمُوّ، وبقي الاقتصاد يعيش حالة التباطؤ من جهة، والسياسات الانكماشيّة من جهة أخرى.

استمرار تحقّيق الاقتصاد الوطنيّ لِمُعدّلات نُمُوّ متواضعة أقل من ٢ بالمئة يُعطي دلالة واضحة على أن الإجراءات الاقتصاديّة التي اُتخذت قبل الربع الثاني أو تحديداً مُنذ بداية العام، لم تؤتي أيّةَ ثمار اقتصاديّة إيجابيّة على النُمُوّ، مما يؤكد أن الاتفاق المُبرم مع صندوق النقد الدوليّ هو اتفاقٌ ماليّ بحت بعيداً كُلّ البُعدّ عن المفهوم التنمويّ.

حالة تباطؤ النُمُوّ الاقتصاديّ للربع الثاني من هذا العام سبباً رئيساً في زيادة مُعدّلات البطالة التي كشفت عنها دائرة الإحصاءات العامة لنفس فترة النُمُوّ وهي ١٩.٢ بالمئة، وواضح أنها في ازدياد ربعي مُستمر منذ اكثر من سبع سنوات متتالية.

والنُمُوّ الضعيف في ظل تنامي مُعدّلات البطالة يعني ببساطة أن قُدرة الاقتصاد الوطنيّ على إيجادِ فُرصَ عمل للخريجين الجُدد الذي يتجاوز عددهم ١٥٦ ألف خريج من مُختلفِ الفئات التعليميّة والمهنيّة ستكون محدودة للغاية، وهي الآن لا تتجاوز 55 ألف فرصةِ عمل سنويّة يَتَقاسمُها القطاعين، هُنا نُدركُ حجمَ الفارق بين ما هو مَطلوب وبين ما هو مُحققّ على أرضِ الواقع.

وتنامي الفقد في المملكة له تأثيره في ظل نُمُوّ اقتصاديّ ضعيف، إحصاءات الحُكومة في هذا الشأن تشير إلى أن عدد جيوب الفقر البالغ عددها اليوم ٣١ جيّباً في مُختلفِ مُحافظات المملكة مرشحة للتزايد، لأن السياسات المُتابعة في ظل نُمُوّ اقتصاديّ ضَعيف يعني عدم القُدرة على توفيرِ مُخصصاتٍ ماليّة لبرامج التأهيل والتنميّة وتحسيّن مُستوى معيشة المواطنين من الطبقاتِ الفَقيرة.

والأمر لا يختلف بالنسبة لبيئة الاستثمار والجهود المبذولة بجذبه وترويج المملكة استثماريّاً، فبَقاءُ الاقتصاد الوطنيّ في حالةِ نمو ضَعيف يعني أن بيئة الاستثمار ما زالت تواجهُ مَشاكلَ وتحدّيات كبيرة في جذب المُستثمرين خاصة الأجانب إليها، وهو ما يُفسرُ كذلك مَحدوديّة فُرصِ العمل في القطاع الخاص.

طبعاً هناك أيضا أسباب داخليّة مُتعلقة بتراجع الطلب العام نتيجة أسباب عدة أهمها: انخفاض حجم الاستهلاك الذي يُشكّل نحو 78 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، ناهيك عن أن ارتفاع تكاليف الإنتاج، ومن أهمها الطاقة، أدى إلى تباطؤ النُمُوّ في قطاعات اقتصاديّة مُهمة كالصناعة والتجارة، مصحوبا بارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى زيادة عبء الدين على المواطنين، وهذا كُلّه يكون على حساب الاستهلاك.

أيضا استمرار حالة التباطؤ الاقتصاديّ له علاقة مُباشرة باستمرار تراجع الاستثمار المحليّ والأجنبيّ، إلى جانب تراجع الإنفاق الحكوميّ، وتزامن ذلك كُلّه مع ارتفاع مُعدّل التضخم، وجميع العوامل السابقة أثرت بشكل سلبيّ على مُعدّلات النُمُوّ.

معدّلات النُمُوّ الاقتصاديّ هي احدى مؤشرات الحُكم المهمة لمدى نجاعة السياسات الاقتصاديّة المتبعة في الدولة، ومحصلة النُمُوّ تَعكس هذه الفاعليّة للسياسات والإجراءات المُختلفة.

الاقتصاد الأردنيّ مازال يقبع منذ عام 2009 تحت حالة التباطؤ الحاد التي يعيشها لأسباب مُختلفة، مما دفعته في عام 2016 إلى تحديد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدوليّ لإخراجه من حالة التباطؤ إلى مسار النُمُوّ الاقتصاديّ المُستدام، لكن للأسف النتائج النهائيّة للنُمُوّ الاقتصاديّ بَقيت على حالتها دون أيّ تَقدم يُذكر، وعند مستوياته 2 بالمئة خلال السنوات الستة الأخيرة، والمشهد ذاته تكرر تقريباً في كُلّ ربع إحصائي من العام.

Salamah.darawi@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى