نهاية حكم الطاغية وحكمة قابوس . . !

نهاية حكم الطاغية وحكمة قابوس . . !
موسى العدوان

في مثل هذا اليوم 26 يناير 1918 وُلد الطاغية نيكولاي تشاوشيسكو الذي حكم رومانيا من عام 1967 وحتى عام 1989. فقد بدأ الزعيم الشيوعي حكمه بسياسة معتدلة نسبيا، إلاّ أنه تحول في فترة لاحقة لسياسة أكثر وحشية وقمعا. فقد كان الأقسى بين الحكومات الشيوعية، إذ وضع ضوابط صارمة جدا على حرية الكلام ووسائل الإعلام، ولم يبدِ أي تسامح مع المعارضة الداخلية. فكانت الشرطة السرّية لديه أعنف وأقوى قوة شرطة في العالم. رافق ذلك انتشار الفساد وتمجيد صورة الزعيم الأوحد، من قبل وسائل الإعلام المدجّنة، وقد تدهورت علاقات رومانيا الخارجية مع الدول الأخرى خاصة مع الدول الشيوعية.

في عام 1982 أمر تشاوشيسكو بتصدير معظم الإنتاج الزراعي والصناعي خارج البلاد، بحجة دفع الدين الخارجي الذي كان هو سببا في وقوعه. فأدى النقص الشديد في الغذاء والوقود والأدوية وغيرها من الحاجات الأساسية، إلى انخفاض مستوى معيشة الشعب بشكل حاد. فقامت المظاهرات والاحتجاجات ضد الحكومة في أواخر عام 1989. فاعتبر تشاوشيسكو أن هذه المظاهرات تشكل تهديدا سياسيا لنظام حكمه، وأمر القوات المسلحة بفتح النار على المتظاهرين، مما تسبب في وقوع العديد من القتلى والجرحى.

وعندما اكتشف الشعب أن تشاوسيسكو كان مسئولا عن إطلاق النار على المتظاهرين، انتشرت أعمال الشغب الاضطرابات المدنية في جميع أنحاء البلاد. وحين سئل الرئيس تشاوشيسكو عن مصير نظام حكمة في ظل هذه الاضطرابات، أجاب مستهزئا : ” عندما تتحول أشجار البلوط إلى أشجار تين، يمكن أن تُقتلع شجرة الحكم في رومانيا “. ولكن بعد أربعة أيام من هذا التصريح، سقط نظام الحكم في رومانيا بإرادة الشعب، ولكن دون أن يتحول البلوط إلى تين.

وتجاه غضبة الشعب حاول تشاوشيسكو هو وزوجته العجوز إلينا، التسلل من خلال سراديب القصر إلى مكان بعيد والفرار بطائرة هليوكوبتر خارج البلاد. إلاّ أن القوات المسلحة التي كانت موالية لهما ألقت القبض عليهما، وعقدت لهما محكمة عسكرية سريعة، وأدانتهما خلال ساعة بتهمة الإبادة الجماعية وتخريب اقتصاد الدولة وحكمت عليهما بالإعدام.

وعندما أدرك تشاوشيسكو اللحظة الأخيرة من أجَلِه أخذ يبكي كالأطفال، خاصة عندما قام أحد جنوده بتقييده قبل إطلاق النار عليه. أما زوجته العجوز إلينا ( رأس الأفعى ) فقد قامت بضرب الجندي الذي حاول تقييدها على وجهه قبل أن يتم إعدامها.

* * *
التعليق :
إن أفضل تعليق يمكن أن أقدمه، هو ما ورد في الوصية التاريخية للسلطان قابوس قبل وفاته، والتي قدم بها نصائح هامة للحكام العرب، في كيفية التصرف مع شعوبهم، وهي كالتالي :

من قابوس بن سعيد إلى اللاحقين من حكام العرب . . !

* لقد أمضيت على كرسي الحكم نصف قرن (٥٠ عاما ) وخرجت كما ولدتني أمي، ووضعت في قبر متواضع، اخترته لنفسي بين الترب، كما رأيتم.
* على مدى ٥٠ عاما كسلطان، لم يشغلني سوى شعبي وسلامته، وأمنه وراحته وسكينته وسعادته ورفاهيته، واجتهدت قدر ما استطعت !
* على مدى ٥٠ عام لم أتدخل، ولم أحشر أنفي في شئون الآخرين، ولم أخطط ولم أتآمر على حلم، ولم أقم بأعمال عنترية، خاصة بعد أن أدركت حقيقة الواقع العربي المخزي، فركزت على مهام وظيفتي، واجتهدت لأكون بحق خادم لشعبي، لا متعالٍ عليه.
* كان شغلي الشاغل طوال تلك السنوات ترسيخ منظومة القيم وتقديم القدوة، لبناء مجتمع عماني متصالح مع نفسه ومع من حوله، لدرجة أن كل مواطن عماني صار يتصرف كما كنت أتصرف، فاحترم العالم بأثره العمانيون أينما حلوا.
* خمسون عاما وتحت حكمي لم يرق دم لمواطن عماني في الداخل أو في الخارج، ولهذا لم يعرف بلدي التطرف وأهله، بعد أن تجنبت أسبابه، فظلت بلادي لعشرات السنين واحة للسلام، يشهد بذلك من شرُفنا به بيننا من العرب والعجم.
* خمسون عاما أمضيتها دون صخب أو مواكب فارغة لا تزيد إلا الناقصين، حتى لحظة وفاتي ومراسم دفني، فكما رأيتم، لم يشغلني أن يحضرها ملك أو رئيس، بل حرصت على أن يودعني شعبي.
* ونظرا لسلامة الزرع الذي زرعته على مدى ٥٠ عاما، في ذات يوم رحيلي، عُين السلطان الجديد، ودون انتظار ثلاثة أيام كما يقول القانون، بل بادر أولادي بفتح وصيتي، وعينوا من أوصيت بتعيينه، هذا هو زرعي الذي زرعت… ربح الزرع.
* وعليه، اجعلوا من شعوبكم السند والعون والظهير، فلا تستعدوهم راعوا الله فيهم. كما رأيتم، بموتي خيم الحزن على كل بيت في عمان ( رأيت عمان حزينة ) فالحصاد يكون دائما من جنس العمل.
* أستطيع أن أقول بأنني حافظت على شعبي فلم أهنه، وعلى بلدي فاجتهدت لتطويره اقتصاديا وصحيا وتعليميا وقبل كل شيء قيميا وأخلاقيا، وذلك انطلاقا من قول حديث رسول الله ” كلكم راع وكلكم مسؤولُ عن رعيته “…صدق رسول الله صلالله عليه وسلم .
* واعلموا أن رحلتكم وإن طالت فهي حتماً ستنتهي، فإما أن يُدعى لكم أو أن يُدعى عليكم . . انتهزوا الفرصة، وصححوا أوضاعكم، وإياكم أن تغرنّكم الدنيا والسلطان ونفاق المنافقين… فالدوام لمن له الدوام، والتاريخ لن يرحم . . نعم لن يرحم . .ّ !
* * *
رحم الله السلطان قابوس بن سعيد على حكمته وأسكنه فسيح جناته. ونرجو الله أن نجد حكاما يتّعضون بهذه النصائح ويطبقونها في تعاملهم مع شعوبهم . . !

التاريخ : 26 / 1 / 2020

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى