نهاية حزينة في حياة نمر العدوان

#نهاية #حزينة في حياة #نمر_العدوان
#موسى_العدوان
ضاقت الحال بنمر بعد #وفاة #وضحا، وراح ينظم الشعر الذي يدل على مدى تعلقه وفائه لزوجته. وتحت إلحاح من رجال قبيلته، قرر نمر أن يتزوج من سيدة أرملة شرارية اسمها صيته يصاحبها ابنها الصغير. وكان هذا زواجا مفاجئا للقبيلة وللزوجة نفسها، التي فاضت الدموع من عينيها، وقالت : يا أبو اعقاب أنا ما أصلح خيِالة لأمير مثلك . . أنت ابن عدوان وأنا أرملة شرارية، ومن يخلصني من العدوانيات ؟ فقال لها : أنا أقول لهم أنك من بني صخر، ولا تهتمي فكلنا لآدم وآدم من تراب.
عاشت الزوجة الجديدة مع نمر عدة سنوات وأنجبت طفلين، لكنهما توفيا بعد فترة قصيرة. وعندما رأت صيته أن مكانتها قد عظمت عند نمر، خطر ببالها أن تمحو ذكر وضحا من قلبه، لأنه لا يكفّ عن ذكرها، فسألته : بالله عليك يا أبو اعقاب أنا ما اسدّ مسدّ وضحا ؟ فغضب نمر غضبا شديدا وكأنه قد أصيب بصاعقة، فأجابها : وضحا ما لها مثيل بالحريم، ولكن من الليلة تأخذين البيت الذي نحن فيه وتعيشين فيه مع ابنك، وكل ما تحتاجين له يصل اليكِ في البيت.
ثم تزوج نمر فيما بعد من فتاة من بني صخر اسمها ( الجازية )، حيث قضى معها ما بقي من عمره في عيشة بدوية سمحة واحترام متبادل، دون أن يكون في حياته شيء من البهجة واللهفة، التي كانت وضحا توقظها في قلبه وفي نفسه.
كان نمر يمتطي فرسه ( وثبا ) من غير أن يستعمل ركاب السرج. وكان العرب يسمون هذا الركوب ( الذبّ ). وعندما اشترى فرسه المسماة ب ( المخلدية ) أغنته عن الذبّ، لأنها كانت عندما يمسح غرتها، تثني قوائمها إلى أن يكاد بطنها يلامس الأرض، ليركب فارسها بلا عناء، فلقّبت بِ ( النوّاخة ) لأنها كانت تنوخ كالناقة ليركبها صاحبها، وهي طريقة لا تفعلها فرسه لكل راكب إلاّ لصاحبها.
مرض نمر مرضا شديدا، وكانت زوجته الجازية ترعاه في مرضه، وتحاول التخفيف عنه معانته وحنينه لوضحا. وفي أحد الأيام وبعد أن خرج أحد أصدقاؤه من زيارته، أغفى نمر إغفاءة قصيرة، ولكنه هبّ من إغفاءته قائلا : وين هو مرسال وضحا ؟ فقالت له الجازية : الله يرحم روح وضحا، اسم الله حولك، ما شفت غير الزوار من العدوان، هذا حلم يا أبو اعقاب، فأنشد قائلا :
يا نمر وضحا أرسلت لك سلامين * * واحد صباح الخير وذاك العوافي
يا من ذكر لي طارشه هو غدا وين ؟ * * يا سامعين الصوت هو وين لافي ؟
لو اذكروه ابديرة الهند والصين * * لاصله على رجلي لو كنت حافي
وفي مناسبة أخرى خاطب نمر ابنه اعقاب قائلا :
قالوا لي يا نمر سافر على الحج * * يقضي لك الخلاق أفضل سبيلي
يا اعقاب أنا لديرة الغور محتاج * *
ابغي أجاور صاحبي وخليلي
يا اعقاب أنا لزيارة القبر محتاج * *
أبغي أناجي فيه أشرف نزيلي
مجنون ليلى دوم سايح بالافجاج * *
ما اظن يشبهني أو لا هو مثيلي
وعندما أخذ أقاربه وأصدقاؤه يعودنه في مرضه للاطمئنان عليه، راح يتصفح حياته وما واجه من حقائد وأضغان، فتمر تلك الحوادث في مخيلته، والوضع الصحي الذي أصبح يعانيه، وكأنها تصور حبه الذي اغتاله القدر، فأوصى رفاقه بكيفية التعامل مع أصدقائه وأعدائه بالأبيات التالية :
إن ناشدك عني من الناس حساد * *
قل له : شديد الحيل ع المخلديه
وان ناشدك عني من الناس وداد * *
قل له : كفيت الشرّ حاله زريه
هذا هو نمر العدوان الفارس والشاعر، الذي عاش من عام 1745 وحتى عام 1823 ودفنن في قرية ياجوز شمال عمان. لقد خص نمر المرأة بالاحترام والتقدير والوفاء، وقام بثورة اجتماعية على التقاليد البالية في ذلك الزمان، والذي لم تكن فيه الزوجة إلاّ وسيلة للإنجاب، وخادمة أمينة، أقرب إلى الإماء منها إلى الأحرار من البشر.
وبهذا يكون الفارس والشاعر نمر العدوان، قد عرف قيمة المرأة ومكانتها العالية في المجتمع، قبل ان تطل علينا اتفاقية سيداو، وتطالب بحقوق المرأة المتحققة في هذه الأيام.
التاريخ : 15 / 10 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى