نسمات ديمقراطية في ليالي أيلول

#نسمات_ديمقراطية في ليالي أيلول

✍️ بقلم: #هبة_عمران_طوالبة

في بلدتنا الصغيرة، اعتدنا على النسمات الديمقراطية كما نعتاد على الطقس الموسمي. تهبّ علينا مرة في العام، نحتفل بها، ثم تمضي دون أن تترك أثرًا. لم نرَ داعيًا لتغيير الواقع، ولا فضولًا يدفعنا للنظر خلف الستار الأسود الذي يغطي المشهد.

في العاشر من أيلول، شعر الحاكم بالضياع والملل. فاقترح عليه أحد الوزراء فكرة بدت له عبقرية: أن يكون هناك يومٌ للديمقراطية. يومٌ واحد فقط يرى فيه الشعب ما تعنيه “الحرية” في قاموس الحاكم.

انبهر الحاكم بالفكرة، وأعلن الثلاثين من أيلول عيدًا للديمقراطية.

عمّ الفرح بين الناس، وكأنهم على موعدٍ مع عيدٍ وطنيّ حقيقي.

منهم من غسل سجادته، ومنهم من اشترى ثوبًا جديدًا، وآخر ذهب إلى الحلاق ليقصّ شعره استعدادًا ليومٍ يزورهم فيه “الديمقراطية” على هيئة إنسان. لم يكونوا يتعاملون مع فكرة، بل مع شخصٍ سيطرق أبوابهم.

وجاء الثلاثون من أيلول… لكنه لم يشبه ما تخيّلوه.

لا هديل صباح، ولا طير غنّى. الشوارع صامتة، الوجوه مطفأة، كأن المدينة نسيت كيف تتنفس.

غضب الحاكم وصرخ في الجموع:

> “تكلموا! تنفسوا! هذا يومكم! أعطيتكم يومًا واحدًا في العام، اسمه يوم الديمقراطية!”

حاول أحدهم أن يتنفس، لكن الهواء خذله. اختنق من أول شهقة.

آخر أشعل شعارًا فارغًا، وثالث فقد صوابه، ورابع وقف في المنتصف يسأل:

> “يومٌ واحد للديمقراطية… وثلاثون ألف يومٍ من الديكتاتورية؟ فماذا نحتفل إذن؟”

ردّ عليه الموظف الجاف بصرامة:

> “قل ما تريد!”

قال الرجل:

“نريد الطاعة للحاكم، وطول العمر له.”

وردد الحاضرون بصوتٍ واحد:

“الله يحميه… الله يكون معه.”

أما الصوت الحقيقي للشعب، فبقي في الزاوية، صامتًا، يرى أيامه تُؤكل أمام عينيه.

لأننا ببساطة، ما زلنا كما كنا… ننتظر نسمات ديمقراطية في ليالٍ لا تهبّ فيها رياح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى