
ناعم الرجال أكل خشنها
أذكر أولئك الذين راهنوا واطمأنوا بأنَّ حكومة الرزاز ستغير الحال من الأسوأ الى الأحسن بأنَّهم قد خُدعوا بكلام رئيسها الناعم الهاديء وبنظرات عيونه البريئة غير الجريئة، فنحن الأردنيون لدينا مخزون من الحكم والأمثال الشعبية التي لا نعيرها بالاً ولا نعي مضامينها، فالملقي كان عالي الصوت وكان لا يتورع عن نعتنا بأوصاف قبيحة ولهذا كرهناه وكرهنا أفعاله، أما دولة الرزاز بطبعهِ الودود وكلامه المعسول فقد زرع فينا الأمل لمستقبلٍ أفضل وعلى هذا الاساس أعطيناه عطوة مدتها مائة يوم وها هي تشارف على الانتهاء ولا أعتقد أنَّ الشعب الاردني لديه النية لتجديد العطوة لفترةٍ أُخرى وخاصةً بعد ضربة الجزاء التي وجهها لنا دولته بما يسمى فرق المحروقات والتي تجاوزت بقيمتها الجبائية عدة ضرائب من ضرائب الملقي، التي شكلت ثقلاً مالياً على كل أُسرة أُردنية علاوةً على أن الضريبة الموعودة لن تكون بأحسن من نسختها السابقة حيث أن مراكز القوى في مجلس الوزراء ومن وخارجه يكيفونها ويفصلونها لتخدم قطاعاتهم وأربابهم وكما يقال “الكل يدير النار على قرصه” ولهذا ستكون ضريبة على الفقراء ولن تمس الاغنياء ورؤوس أموالهم وقطاعاتهم.
لن يتغير حال الأردنيين ما لم يتم تغيير النهج بأكمله وهذا ما يجب على الاردنيين فهمه والاقتناعِ به والعمل على تغييره، هذا النهج الذي لا يعكس بمضمونه وأهدافه إلا حماية الفساد واللصوص وزيادة مكنوزاتهم من أموال الشعوب المسروقة وتغريب الأوطان عن ثوابتها الوطنية وتاريخها وثقافتها وقيمها الإنسانية والأخلاقية، هذا النهج تم التخلص منه في معظم دول العالم إلا أنَّه لا زال منتشراً في المزارع العربية بأشكال وصور مختلفة، فنراه في مزرعة سعدستان على شكل محاصصة وفي مزرعة حيدرستان على شكل طائفي وفي مزرعة سلمانستان على شكل حزب متطرف وفي مزرعة عميلستان على شكل سلطات عسكرية وووووو الخ، هذا الفساد بأشكاله وصوره المختلفة منظم ومبرمج لإسقاطِ الأوطان وسلب إرادتها وسيادتها ودفع الشعوب لمرحلةِ الإحباط واليأس ليسهل السيطرة عليها وتركيعها لتمرير المشاريع العدوانية والمخططات الاستعمارية، فنجد أن المرجعية الراعية والحامية لهذا النهج ” الفساد والدكتاتورية والتسلط وغياب الحريات…الخ ” هي واحدة، فنحن في الوطن العربي لا نعاني من قلة في الموارد الطبيعية ولا نقص في كفاءة الموارد البشرية بل نعاني من عبث أعداء أمتنا الداخليين وقوارض سفن طموحاتنا وأحلامنا وسماسرة أوطاننا .
المائة يوم شارفت على الانتهاء ولم تلُح في الأفق بعد أي بادرة خير أو مؤشر إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية بل أن العكس هو الحاصل، فهناك أموال ضخمة تجبى من جيوب الأردنيين لو حَسُن استثمارها لتغير الحال ولكن هناك هدرٌ للمال العام بلا رقيب ولا حسيب وهناك تنفيعات لا تعد ولا تحصى وتبذير على الغارب، لم ألمس كمواطن أُردني إلا تردي عام في شتى المجالات ولم ألمس إلا رضوخ دولته لقوى الضغط ومؤسسات الفساد بالرغم من تلك الآمال التي تأملتها والشعب الاردني، تأملنا بأنَّه سيشرع بفتح ملفات الفساد..والقبض على كل الفارين بأموالنا..تأملنا أن نأكل لقمة خبزنا مغموسة براحة بالنا والقطط السمان تقبع خلف القضبان..تأملنا بتشريعه الضريبة الموعودة موحدة تنحاز للفقراء..تأملت بأنه سيحارب المحسوبية ويفعّل الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص..تأملت بأنَّه سيلغي دكاكين أبناء الذوات..تأملت بشروعه بنسج علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة على أُسس السيادة الوطنية والاحترام المتبادل وبما يخدم المصالح بعيداً عن التبعية والإملاءات..تأملنا بأنه سيردع بلا هوادة كل من تطاول على أمن واقتصاد واستقرار وكرامة وعزة وطننا..تأملنا بأنه سيبطش بكل من جعل من الأُردن متسولاً ومستجدياً ومن شعبه حفاة عراة ومكدسين على أبواب السفارات وفي طوابير المصطفين للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية…كم كان حجم الطموحات والآمال كبيراً لدى الشارع الاردني على شخص دولته المشهود له بالنزاهة والاستقامة والكفاءة مضافاً إليه رصيد عائلته الوطني ..لكن مؤسسات الفساد أقوى وأكبر منه ومن طموحاتنا وآمالنا..فهل يسعى لتجديد العطوة أم سيتنحى حفظاً لماء وجهه وسيرته ليضيف رصيداً وطنياً لمن سبقه من ذويه؟
aboznemah@yahoo.com