مُراجعة اقتصاديّة قاسية / سلامة الدرعاوي

مُراجعة اقتصاديّة قاسية

المُراجعة الثالثة للبرنامج الائتمانيّ مع صندوق النقد الدوليّ والتي ستكون في نهاية الشهر الجاري ستكون قاسية على غير العادة، نظراً للتطورات السلبيّة التي طرأت على عدد من المؤشرات الماليّة في الاقتصاد الأردنيّ خلال هذا العام والتي بُمجملها خالفت التوقعات.
الأوضاع الماليّة للخزينة غير مُستقرة على الإطلاق، وفيها من المتغيرات التي جعلت بعض الفرضيات سواء أكانت في الموازنة أم في اتفاق الصندوق لا تتحقّق بالشكل المُستهدف، وهي ما يتطلب اليوم جلسة مُغلقة بين الحُكومة والصندوق لتقييم اقتصاديّ علميّ وواقعي لِما جرى في الأشهر الماضية، والتحدّيات التي عصفت بالاقتصاد الوطنيّ عامة والخزينة خاصة.
بيانات الحكومة للشهور السبعة الماضيّة كشفت أن العجز الماليّ في الموازنة فاق المُقدّر في الموازنة العامة لعام 2019 كاملاً بنسبة 14 بالمئة، في حين أن المُقدّر كان لطيلة العام في الموازنة العامة لعام 2019 ما قيمته 646 مليون دينار تقريباً، لكن العجز الماليّ سجّل في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي قيمة 738.8 مليون دينار، أي انه قبل نهاية العام بخمسة شهور تجاوزنا العجز الماليّ المستهدف في قانون الموازنة، فكيف سيكون الحال مع الأشهر المتبقية.
العجز الماليّ هو ناتج رئيسيّ عن الوضع الماليّ التي تكون فيها النفقات أعلى من الإيرادات، وهو ما يُشكّل هاجساً كبيراً للحكومات، ويدفعها إلى وسائل لتخفيض العجز والوصول إلى خلق توازن بين الإيرادات والنفقات، وبالتالي فأن عدم التزام الوزارات المستهدفة بسياسات ضبط الإنفاق المنصوصة عليها في قانون الموازنة أدت إلى تجاوز العجز للنسب المستهدفة في الموازنة.
واضح أن تطورات الإنفاق السلبيّة التي طرأت على الموازنة منذ بداية العام تُشير إلى احتماليّة وصول العجز إلى نسب أكبر حتى نهاية العام في حال الاستمرار على ذات الوتيرة، وقد يرتفع العجز الماليّ في الموازنة إذا استمر المشهد على ما هو عليه إلى أكثر من 1.1 مليار دينار على أقل تقدير، فالزيادة في العجز الماليّ للشهور السبعة الأولى من هذا العام بلغت نسبتها 14 بالمئة وبقيمة 229.93 مليون دينار مقارنة بما هو مُقدّر في قانون الموازنة العامة 2019.
أما الإنفاق العام فقد بات واضحا عن كُلّ مخططات الحُكومة في ضبطه وترشيده لم تفلح وتحقّق أهدافها، والموازنة تكبدت دعما مضاعفا للعلاج الصحيّ ودعم الجامعات ودعم غير مباشر لبعض السلع الأساسيّة مثل الخبر والقمح، وأن الرياح سارت بما لا تشتهيه السفن، حتى مع تخفيض النفقات الرأسماليّة فالأمر لن يغير كثيراً في المشهد العام للموازنة، لأن غالبية مخصصات هذا البند المتبقيّة من هذا العام ستذهب لتمويل نفقات تشغيليّة وطلبات قطاعيّة ونقابيّة ومحافظات ورواتب، فإجماليّ الإنفاق بلغ خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 5.075 مليار دينار، فيما كان إجمالي الإنفاق خلال نصف العام الأول 4.1802 مليار دينار، علماً أن الإنفاق ارتفع خلال شهر واحد بقيمة 894.8 مليون دينار، وبنسبة زيادة قدرها 21 بالمئة.
بالنسبة للإيرادات الضريبيّة فهي أوضح مؤشر يجسد الحالة التي يمرّ بها الاقتصاد الوطنيّ والتحدّيات الداخليّة التي هي منها بيئة الأعمال المحليّة، حيث كشفت إحصاءات الحكومة للشهور السبعة الأولى من هذا العام عن انخفاض الإيرادات الضريبيّة المتأتية من الضريبة العامة على السلع والخدمات بقيمة 97 مليون دينار، وهذا بسبب تراجع النشاط الاستهلاكيّ للمواطنين والاقتصاد بشكل عام نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، والذي يؤدي في المقابل إلى تباطؤ النشاط التجاريّ بشكل عام ، في حين تراجعت حصيلة الضرائب المتأتية من بيع العقار بنسبة 9 بالمئة، علماً أن فرضيات الموازنة كانت تفترض نُمُوّه بنسبة 7 بالمئة.
يبقى بند المساعدات والمُقدّر في موازنة 2019 بحوالي 609 ملايين دينار، وهذا البند عادة ما يطرأ عليه تغيير، وأقولها بصراحة، أن البند الوحيد في قانون الموازنة الذي يُخالف فرضياته باتجاه إيجابيّ لصالح الخزينة هو بند المساعدات، فعادة ما تضع الحكومة رقماً له، وفي المحصّلة يكون الفعليّ اكبر من المُقدّر بشكل كبير، مما يُدلّل على تزايد اعتماد الخزينة على بند المساعدات ودوره في استقرار الموازنة.
المؤشرات السابقة تضع المفاوض الأردنيّ في موقف صعب أثناء اجتماعاته المُقبلة مع الصندوق في إطار المراجعة الثالثة، خاصة وأنها تسبق استعدادات الحكومة للدخول في مفاوضات مُعمقة مع الصندوق لاتفاق جديد يغطي السنوات الثلاث المُقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى