مَنْسَف الكَركْ ومقلوبَة رامَ الّله

مَنْسَف الكَركْ ومقلوبَة رامَ الّله
د. جودت سرسك

تتجاوزُ مدينةُ الكركِ كلَّ حدودِ التاريخ لتعلنَ شموخها الذي يدلّ عليه اسمُها (الكرخة)،وتعلنَ مشيختَها على البوادي والحضرِ وسموَّ ملوكِها عبْرَ مِسلّةٍ ضيّعها أعرابُ الردّةِ وقبائلُ الغنائمِ باختلافهم على الترِكة ونصيبِهم منَ الذهبِ الموهوم، فاغتنمها القنصلُ الفرنسيُّ في القدس وصادرها إلى موطن الاستعمار والجرائم فرنسا ،فضاعت مسلّة الملكِ يوشع ملكِ مؤاب والكرك المنحوتة من أربعةٍ وثلاثينَ سطراً بالخط المؤابيّ الفنيقي العروبي، وتذكُرُ المسلّة على لسان ملكِها أنّه تحرّر من ظلم ملِكِ إسرائيل( عمري) وتخلّص من شرّه .
وقد كان بنو إسرائيل يحرّمون في إصحاحِهم السابعِ عشَر طَهيَ اللحمِ باللبنِ تحريماً قاطعاً، فحثّ الملكُ العربيُ الكركيُّ شعبَه على نسف معتقدات شعب إسرائيل فطبخوا اللحم باللبن ومزجوه بالسمن وزيّنوه بالصنوبر وتوّجوا صدرَ أوانيهم برؤوسِ الأغنام وخلطوها بالشجاعة والكرامةِ، ومنذ تلك اللحظة سمّي بالمنسف .
تفوحُ رائحةُ المنسفِ الكركي لتصلَ إلى( نتساريم) غزّة معقل اليهودية الدينية لتجعلها يباباً وتستبدل مستوطنات المانجا الغزاويّ وكروم العنبِ المسروق من شعبِ المقاومة والمعالي تستبدلها ببيّارات وكروم الشوبك والكرك والطفيلة وترسم على أرضها عناقيد العنب البلديّ وتطرد ملوك الشمعدان البخس وتجلّل شارونها وليكودها المغلول كما طردت المسلّةُ وشعبُها عمري وعمرين وأبكتْ كلّ أمِ عبرانيٍّ أقام على أرضٍ غير أرْضه.
البحرُ من ورائكم وأبطال غزّة وصانعوا المناسفِ من أمامكم ،وكما اشتعلتْ مواقدُ الكرك لتطعمنا لبنَ الكرامة وسمْنَ الشهامة ،فقد أوقِدت مواقدُ أرضِ الأنبياء والشهداءِ والمعراج احتفاءا بصلاح الدين الذي قلبَ حالَهم من العبودية والمهانة للكرامة والقداسة ،فصنعوا لها طعام الشكر والعرفان فخلطوا الرز وجعلوا بيْنَ ثنيّاته طبقاتِ البطاطا والباذنجان وخيراتِ أرض العزّة فقلّبوها أمامَه وسمّوها بالمقلوبة كما أرادها صلاحُ الدينِ فاتحُ القدس ومقلّب أحوال العباد.
لقد رضينا بالاحتلال ،والاحتلال مارضي بينا ،فقد قدّمنا لهم كلّ الولاء مرْغَمين في عالم الجبروت والظلم والاستقواء على الضعيف، ووصَل بنا الحالُ إلى إصلاح عجَلاتِ دبّاباتهم الغادرة وتقبيل يدِهم الآثمة الملطّخة بدماءِ الأطفالِ دماءِ محمّد الدرة والجنرال فارس عودة والحريق محمد أبو خضير والشهيد الرضيع علي الدبشْ.
فبيننا وبين قاتلنا حكايةٌ ظريفةْ ،فقبل أنْ يغرسَ سِكّينه في نواحينا حلّفنا بالمقدساتِ وإسحاق والكعبةِ الشريفةْ. فكلّنا يعلم وجَعَنا وألمَ التنسيقِ واضْطرارَه .
إنَّ العبدَ لا يقوى على فراقِ قيوده ولا تقوى يداه على حملِ المعْولِ وزراعة الحرية ولا يجد مذاقا لطعامه إلا حين يقدّمه له وليُّ نعمته ،فصنّاع التنسيق الأمني ليسوا ملائكة ولا وشياطين ولكنّ الأجندة العالمية أكبر من إرادتهم.
إنّ أُمّاً في أمريكا قد رمتْ ابنها بواحدةِ حذائها فتركتْ أثراً في وجهِه ولم تستطع إخفاءه، فتصدّر دعاةُ حقوق الطفلِ لها فأخذوه عنوةً منْ بَينِ جنبيها وحُرِمتْ احتضانَه سنتين ولمّا حان موعدُ لقائِها بهم أقدمتْ عليهم بلهفتها ونفثِ حنين صدرِها، فجدّدوا حرمانَها واعتبروها مضطربة َالمشاعر وأحالوها لجلسات التأهيل .إنّ رصاصَ ومدافع هذا المحتلِ تمزّق أرضنا ولحمنا ولا نصيرَ لنا ،وحين تُحال القضيةُ للمحاكم الدولية يتهمون أطفالَنا وبناتِنا بالإرهاب ويلقون قرب جثثهم سكاكينهم الغادرة .نحن في زمن الموازين الصهيونية التي تعدُّ الحذاء أشد فتكاً من رصاص المحتلّ الغاصب.
في عيد الاستقلال المبارك تفوح روائحُ الكرامة والمنسف الكركيّ وترنو قدورُ المقلوبة لأتْباعِ صلاح الدين ورجالاته أنْ يقلبوا الأواني والموازينَ ،فهل يقلِبُ أبو مازن قدورَ المقلوبة والكرامة ويغيّر طعمَ الوطن ونكهة العيش ويوقف التنسيق الأمني !!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى