تَشتت مُمنهج / سلامة الدرعاوي

تَشتت مُمنهج
من يصدق أن دولة مثل الأردن باقتصادها الصغير واعتمادها المُتزايد على المُساعدات الخارجيّة، تَمتَلكُ من الوزارات والمؤسسات والهيئات ما هو موجود في دول اكبر من المملكة مساحة وسكانا بعشرات المرات.
الاقتصاد الأردنيّ، اقتصادٌ حُرّ كما هو في الدستور، أي انه رأسماليّ، ورغم ذلك فالقطاع العام يَستحوذُ لوحده على اكثر من 56 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، وهي من اعلى نِسب مشاركة الحُكومات في إدارة الاقتصاد الوطنيّ، لدرجة انها تُنافس اقتصاديّات الدول الاشتراكيّة.
اقتصادٌ مثل اقتصادنا الوطنيّ يُدار ولا احد يعرف على أيّ خطة يسير بها، فهل قانونُ الموازنة هو الذي يوجّه الحُكومة في إجراءاتها الاقتصاديّة المُختلفة، أم خطة التحفيز الاقتصاديّ التي اقرّتها الحُكومة السابقة للأعوام الخمس المُقبلة، أم رؤية الاردن الاقتصاديّة 2025 التي اقرّتها حكومة النسور وأشهرتها باعتبارها خارطة الطريق للاقتصاد الوطنيّ للمرحلة المقبلة، ام أن الاقتصاد الوطنيّ يَسير الآن وفق وثيقة الأولويّات الحكوميّة التي أُعلنت مؤخرا كبرنامجٍ تنفيذيّ واضح لعدد من القطاعات الرسميّة.
لكن ماذا عن قانون الموازنة العامة لسنة 2019 والذي ستتقدم به الحُكومة لِمجلس النوّاب في القريب العاجل لإقراره؟، علما انه هو خطة الدولة الماليّة لعام كامل.
الذي يرى عدد الوزارات في المملكة وعددها تقريبا 30 وزارة، ويشاهد اقتصاديّات دول كبري مثل ماليزيا او إندونيسيا او بلجيكا او تركيا لا يتجاوز عددها الإجماليّ عن 20 وزارة يَشعرُ بِأسى لما وصل اليه القطاع العام في المملكة.
لا فالأمر تَخطى الكَمّ الهائل من الوزارات لتفريخ مؤسسات وهيئات مُستقلة رديفة لعمل الوزارات التي باتَ عدد كبير منها منزوع الصلاحيات لِصالح تلك المؤسسات، والنتيجة تَرُاجع كبير في الإنتاجيّة والكفاءة والانتماء في العمل العام، مع اِنخفاض كبير في الخدمات المُقدمة للمواطنين.
ما يُقارب 65 مؤسسة مُستقلة تلعب دورا سياديّا في إدارة الاقتصاد وتضاهي في نفوذها وزارات سياديّة قائمة وتتجاوز في بعض الأحيان مجلس الوزراء ذاته بقوانين خاصة أُنشئت خصيصا لهذه الهيئات.
هذا في القطاع العام، والأمر السابق لا يختلف عن القطاع الخاص، الذي هو أيضا في حالةِ تَشتت غريبة جَعلتهُ في الصفوف الخلفيّة المؤثرة على صناعةِ القرار. فهُناك عشرات الغرف التجاريّة وأخرى صناعيّة وجمعيات هُنا وهناك في كُلّ حارة ومنطقة تحت مسمى اقتصاديّ خاص بها، وكأننا نَعيشُ في اقتصاد مُتشعب كبير جدا لا يُمكن السيطرة عليه او توجيهه إلا من خلال تلك المؤسسات والجمعيات المُبعثرة هُنا وهناك، علماً أن الأمر لا يحتاج إلى كُلّ هذا التَشتت.
للأسف مشهدٌ مؤلم للحالةِ التي يُدار بها القطاعان العام والخاص، وآخر مُحزن لتعدد برامج التنميّة وخططها التنفيذيّة المُتتالية التي للأسف غالبيتُها لا تَخرج لحيز التنفيذ، وتبقى في ادراج المسؤولين.
هذا التَشتت يوحي للبعض انه تَشتت مَنهجيّ مُنظم لإفراغ مؤسسات الدولة في القطاعين العام والخاص من مضمونهما وقوتهما، واضعاف المؤسسات الأصيلة في إدارة الاقتصاد الوطنيّ، فهل يُعقل أن تتكاثر وتتوالد الخطط والبرامج والمؤسسات دون أن ينعكس ذلك على الإنجاز الحقيقيّ المُستهدف من وراء كل ذلك؟، ولماذا لا يكون هُناك تقييم علنيّ لما تم إعداده وإعلانه من برامج وخطط قبل أن يتم الاعلان عن شيء جديد بنفس المعنى والهدف؟
لسنا بِحاجة ابدا إلى كُلّ هذا الكمّ من المؤسسات والبرامج، نحن بأمس الحاجة إلى تنفيذ قانون الموازنة فقط لا غير، وتوحيد المؤسسات فعليّاً لا شكليّاً كما هو حاصل الآن لدى البعض منها، وإعادة الروح والتألق والفاعليّة لمؤسسات القطاع الخاص بشكل يوحدّ مَرجعيتها ويَقويّ من دورها، وإلغاء حالة التشوه والتَشتت الحاصل في القطاعين العام والخاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى