من عالمية الردع النووي الى عولمة الردع التكنولوجي…رؤية تحليلية

من #عالمية #الردع_النووي الى #عولمة #الردع_التكنولوجي…رؤية تحليلية..
ا.د #حسين_محادين*
(1)
منذ إلقاء امريكا القنبلة النووية على هيروشيما اليابانية عام 1945 والتي مثلت من خلالها استخدام التجريبي للاسلحة الذرية الفتاكة لاول مرة، و جراء ما خلفه هذا العمل العدواني الامريكي من ضحايا بشرية واضرار فكرية ومادية على اليابانيين اولا كجزء من العالم ، الا ان هذا العدوان قد حُِمل رسائل مستمرة التفكر بخطورة تكرار القيام بمثل ذلك العمل اللاخلاقي المدمر من جهة، ومن جهة ثانية قد أنضج وعمم بذات الوقت المعاني المترتبة على التلويح بإمكانية ردع نووي لاي عدو يمكن ان يفكر او يعمل على مهاجمتنا كدول قوية تتفرد باقتنائها لأسلحة الدمار غير التقليدية حينها ، ولكم يا عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية في درس اليابان التدميري عِضة نفسية وتفكرية بليغة. ومن هنا تحديدا بداء العقل الجمعي الدولي في الانحياز الدائم الى استخدام الأسلحة التقليدية في مختلف حروبه على مسرح ما بعد تلك الحرب، والتي كانت من ابرز نتائجها ظهور ما عُرف بالحرب الثانية بين المعسكر الغربي الراسمالي الوظيفي بقيادة اميركا، والمعسكر الاشتراكي الصراعي بقيادة الاتحاد السوفيتي.حتى بداية تسعنيات القرن الماضي بعد ان انهزم الاتحاد السوفيتي وتسيّدت امريكا القائدة وحلفاؤها الغربيين عبر العولمة القطب الواحد منذ ذلك الحين .
(2)
في عام 1959 ظهر مفهوم جديد وهو الردع النووي كما تشير معظم الدراسات التوثيقية والذي جاء نتيجة ادراك الدول الكبرى امريكا والاتحاد السوفيتي تعذر استمرار سيادتهما في قيادة العالم الثنائي القطبية اثناء الحرب الباردة والمتضمن عدم اصطدامهما نوويا ، الا في حالة تساوي الردع النووي بينهما، اي لديكم ولدينا ايضا من هذا السلاح الفتاكة ما يجعلنا متساويان في القدرة على تدمير كل ننا الاخر، لذا علينا ان نكتفي بحروب الانابة التي تقع لدى حلفاءنا بالاسلحة السياسية والدبلوماسية وفي الحد الاقصى لصراعنا في العالم هو استخدام الاسلحة التقليدية غير النووية والتي تم تطويرها كثيرا في مرحلة الحرب الباردة..ولهذا يمكن التذكير انه وبرغم كبر حجم الانفاقات على الابحات والتدريبات التطويرية لاسلحة الردع النووي لدى الدول المتقدمة ،الا انها بقيت دون استعمال ميداني في حروب الدول ، وذلك لادراك من يمتلكون الاسلحة الذرية الخطورات الجسيمة والمدمرة التي تنتج اذا ما استخدمت في الحروب،لذا بقي التلويح اللفظي والسياسي باستخدامها في الحروب حاضرا الا انه لم يتم ذلك فعلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكأني بهم يجسدون مقولة حكيمة مفادها ان اكثر من يخشى المرض هم الاطباء لادراكهم لخطورته على حياتهم، وبالتالي فان الدول الكبرى المتطورة وذات الردع النووي تدرك بعمق نتائج استخدمات الاسلحة الذرية في حرب ما، لذا ابقتها حاضرة دون استعمالات الحربية فبقيت ذراعا للتلويح بها فقط لوعيها الناجز بشمولية خطورتها الجغرافية والبشرية المتعاقبة عبر الاجيال.
( 3)
بعيد تسعينيات القرن الماضي ظهرت العولمة/ات التي تعتبر ابلغ تعبير ايدولوجي ما بعد الحداثي ، شامل ومتنوع العناوين للنظام الراسمالي الغربي ينزع الى السيطرة على الارض بمواردها المختلفة لزيادة ارباحها وهيمنتها وعلى الفضاء بآفاقه وثرواته في المستقبلية في آن وهذا لن يتأتى للعولمة النجاح فيه دون ان تستبدل الردع النووي الفتاك والباهض الاثمان والكلف بالردع التكنولوجي، ذلك لانه الاقل كلفة، الأعم انتشارا وعوائد ارباح متأتية من ترويضها وسيطرتها بالتالي على موارد الارض والفضاء، ولكن عبر التطويرات الهائلة لبنية واستخدامات التكنولوجيا في الصراع مع الاخرين، لذا لاحظنا ان ابرز اشكال الصراع بين امريكا والصين للهيمنة على الارض الفضاء اضافة للاقتصاد هي التكنولوجيا عموما والاتصالات الخلوية” شركة هاواوي مثلا” بجيلها الخامس وما بعده تحديدا. ولعل الاهم ايضا ان حدود وعناوين الصراع والردع النووي التاريخي بينهما ، اي اثناء الحرب الباردة قد تحول في ظل العولمة بحيث تغيرت محتوياته وادواته ومضامينه الكونية فكريا وعلميا واقتصاديا الى ما اسميه الردع التكنولوجي بين كل من امريكا، الصين، والهند، وروسيا بقوة اوضح واخطر بعد مرور عام على الحرب الأوكرانية، بدليل نجاح الروس في عمليات الاختراقات التكنولوجية لمنظومة البنتاغون التكنولوجية، رغم ما عرف عنها عالميا قبل اليوم ، من تقدم امريكي في منظومات الامن السيبراني والتي لم تمكن من حماية وثائقها الاصلية من السرقة او الاختراقات التي تجسدت في نجاح المنظومة الروسية التكنولوجية في اختراق اجهزة وزارة الدفاع الامريكية “البنتاغون” تكنولوجيا على الارجح للآن وبانتظار تقارير لجان التحقيق العاملة لمعرفة كيفية وصول الروس اليها ونشر اجزاء من محتوياتها المتعلقة بحلفاء وعيون امريكا في العالم ايضا ،، هذا الاختراق التقاني الذي تمثل باحضار وثائق سرية للغاية ، وخطيرة المحتويات على صعيد الخطط الحربية التقييمات الاستخبارية الامريكية لواقع ومستقبل الحرب الاوكرانية، والتي وصفت رسميا بأنها تمثل تهديدا للامن القومي الامريكي ولحفائهم وعملائهم في العالم الذين ربما ستهدد حياتهم بعد انكشافهم في العديد من دول العالم كما نُشر عبر وسائل الإعلام العالمية.
اخيرا…اجتهد قائلا ان الردع التكنولوجي كبديل عن الردع النووي الذي بقي متصدرا التهديدات فيه بين الدول الكبرى واتباعها في حروب الانابة عنها في هذا الاقليم او ذاك من العالم ،ذاك الردع النووي الذي بقي متصدرا دوليا سياسية وتهديدات فقط للأخر حتى تسعينيات القرن الماضي ، هو ما جعلني بعد رصد وتحليل جادين، أن أصوغ هذا التشخيص العلمي والاجتهادي الدقيق بنظري لبنية وآفاق الصراع الدولي القائم في ظل العولمة مؤشرا على وجود بداية انحسار متدرج لواحدية القطب العولمي بقيادة امريكا وهي الآخذه حاليا بالتحول الاكراهي لها بالقبول والاتجاه نحو تعددية الاقطاب، ولكن عبر الردع التكنولوجي كبُعد مضاف وبارز بعد ظهور عناوين للصراع الدولي ممثلا في واقع الاصطفافات /التحالفات الجديدة الواقفة بالضد من استمرار هيمنة امريكا ودولارها على قيادة اقتصادات ونفوط دول العالم منذ عقود طويلة ،الأمر الذي آخذ في التغير المتسارع منذ اندلاع الحرب الأوكرانية بمصاحباتها التغييرية العميقة والهائلة على شتى الصعد والتي ستبقى برأيي مفتوحة على كل الاحتمالات لحين ايقافها كمعركة اما بالحسم العسكري في النهاية، او عبر توافقات دولية ربما..من يجزم؟.
*جامعة مؤتة -قسم علم الاجتماع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى