من حكايات والدتي أطال الله عمرها والدي وأخي والديك .. زكريا البطوش

ذات جوعٍ أخي عليّ صاحب الجسد النحيل كان دائب الحركة كطيرٍ لا يهدأ، وصل على عجلٍ بعد أن تناهى لمسامعه عودة والدي رحمه الله قادمًا من رحلة إلى كثربا مكث خلالها يومًا أو بعض يوم، عاد وقد اصطحب معه هدية ثمينة تمثلت بديك جميل تلقاها من خاله المرحوم باْذن الله الحاج اجديع القراله .. فكانت فرحة العائلة بتلك الهدية كبيرة للغاية وفرحة علي بها لا يعدلها فرحة . لم يكن في البيت من روائح لطعامٍ سوى رائحة شوربة العدس التي كانت والدتي لا ينقصها الابداع والدهاء والحكمه بصنعها وهي تقنعنا بأنه لا مثيل لها . اشتعل قلب علي فرحًا عقب رؤيته الديك كمن وجد وجبة دسمة كانت بالتأكيد تسد كثيرًا من جوعٍ مزمن آن الأوان لتبديده بلحم طيرٍ شهيّ . إلا أن المفاجئة وعلى نحو صادم لم يكن متوقعًا وهو رغبة والدي رحمه الله بأن يبقى الديك لأيام قبل ذبحه لغاية بنفسه ربما كي يكتسب الديك مزيدًا من الغرامات من اللحمة لعلها تكفي لتلك الأفواه الجائعة التي أدمنت الشوربة واكل الفتة، التي لم يكن غيرها سوى بعضًا من شاي وخبز وشيئًا من الزيت و الزعتر . في اليوم التالي حيث كان علي قد عقد العزم على عدم الذهاب للمدرسة التي تُشد إليها الرحال إلا بعد إكراه فقد كان يُمني النفس بمشاهدة طقوس الذبح والسلخ للجمل .. عفوًا الديك صاحب الحكاية . لكن للأسف تبددت تلك الأمنيات وتلاشت على اثر قرار صارم لا رجعة عنه تمثل بالإبقاء على الديك لأجلٍ غير مسمى فذهب علي إلى مدرسته خطوة للأمام وخطوتين للخلف مكرهًا أخاك لا بطل ولكنه ظل عاقدًا العزم على الفرار منها عندما تحين الفرصة المواتية لعل وعسى أن يظفر بروية ما تمنى . عاد علي ولم يطرأ جديد وكل ما فعله هو الجلوس على بطنه بمواجهة الضيف العزيز متأملا ومتشوقا لنهاية محتومة كان قد رسمها مسبقًا في مخيلته .. بالطبع كان موعد الذبح مجهولا ولا يعلمه الا سي السيد والدي وكان له ما أراد وبالكيفية التي اختارها . وفي النهاية تم ذبح الديك على حين غِرة ولكن بعد أن اختفت اللهفة تمامًا، وغابت الفرحة و الفُرجة حتى بعد أكله عظمًا ولحمًا، و صار قصةً تُروى كما ذكرتها بقليلٍ من الكلام وكثيرٍ من تعبٍ وأسى و جوع لا يختلف عليه اثنان آنذاك . مما يجدر ذكره هنا ان والدي كان يُزْجِي لنا النصائح كلما لاحت اي مناسبة كمناسبة الديك ومن باب شكر النعمه ؛ حيث ذكر عن ابيه وجده ومن باب المقارنه انهم كانوا يأكلون الذّر من قلة الدّر .. لا ادري كيف سيستقبل ولدي هذه الحكاية في هذا الزمن وهل سيكون لديه ترف الوقت ليرويها لولده ام انها لا تليق ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى