مقارنة في غير محلها / مهند أبو فلاح

( مقارنة في غير محلها )

مهند أبو فلاح

خمسة عشر عاما انقضت على استشهاد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين و ما زال هذا الرجل العربي الحر الاصيل يتمتع بشعبية جارفة في عموم أنحاء الوطن العربي و أرجاء العالم الإسلامي رغم الحملات الإعلامية المكثفة التي يتعرض لها من قبل أدعياء الليبرالية المتأثرين بماكينة الدعاية الغربية المضللة المعادية للعروبة و الاسلام ذات المحاور المتعددة .

من ابرز هذه المحاور الإعلامية المناوئة لنظام البعث في بغداد ما تروج له بعض الأوساط في صفوف المعارضة السورية سنويا مع حلول ذكرى مجزرة الغوطة الكيماوية التي ارتكبها النظام الحاكم في دمشق بحق ابناء شعبنا العربي السوري الحر الابي في ضواحي الفيحاء في ٢١ آب / أغسطس من العام ٢٠١٣ من خلال عقد مقارنة ظالمة بين تلك المذبحة المروعة و نظيرتها التي وقعت في بلدة حلبجة العراقية الحدودية مع ايران في ١٧ آذار / مارس من العام ١٩٨٧ و التي اقدم عليها نظام الملالي في طهران حليف النظام السوري كما برهن على ذلك تقرير غربي بالغ الاهمية نسلط الضوء عليه في هذا المقال .

التقرير الغربي بالغ الاهمية و الخطورة حمل عنوان ” ” Iraqi Power and U.S. Security in the Middle East ” و يعني بالعربية ” القوة العراقية و أمن الولايات المتحدة في الشرق الاوسط ، أعده كبير المحللين السياسيين في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (C. I . A ) و المحاضر في كلية أركان الحرب الامريكية البروفيسور ستيفن بيلتير ( Stephen C. Pelletiere ) .

التقرير الذي أستغرق قرابة 93 صفحة و الذي اعده السيد بيلتير في العام 1989 لحساب ” المركز الوطني الأمريكي للدراسات الإستراتيجية التابع لوزارة الدفاع في الولايات المتحدة” ” البنتاجون ” و نشر في شهر آذار / مارس من العام 1990 أقر بعد دراسة عينات اخذت من تربة منطقة حلبجة الواقعة على بعد 364 كيلومتر الى الشمال الشرقي من العاصمة العراقية بغداد ان الهجوم الكيماوي الذي وقع هنالك في 16 آذار / مارس من العام 1988 ميلادي هو من عمل نظام الملالي الحاكم في طهران ، لان المادة المستخدمة فيه هي غاز السيانيد المتوفر لدى نظام الخميني الدجال و غير الموجود اصلا في الترسانة العسكرية العراقية .

موضوعية التقرير و قيمته الاستراتيجية تنبع بالمقام الاول و الاساس من انه غير موجه للرأي العام الامريكي بل تم اعداه لغايات عسكرية صرفة ، حيث جاء في سياق التحضير و الاعداد للحرب العدوانية الثلاثينية التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية بالاشتراك مع اطراف دولية بل و حتى عربية متصهينة و على رأسها النظام الحاكم في دمشق على بلاد الرافدين في العام 1991 ، ففي العام 1988 ميلادي و بعد شهر واحد فقط من انتهاء الحرب العدوانية الفارسية على العراق جمجمة العرب شرع الجنرال نورمان شوارزكوف ( Norman Schwarzkopf, Jr.) قائد القيادة المركزية الامريكية الوسطى في اعداد العدة لهذه الحرب عبر تقرير يتناول كيفية مواجهة التهديد العراقي المفترض لامن حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي و على رأسهم المملكة العربية السعودية كما ورد في كتاب ” حرب الخليج الملف السري ” للصحفيين الفرنسيين بيار سالنجر و اريك لوران ” .

و بالرغم من كل ما تقدم فإن هنالك إصرار عجيب غريب من قبل بعض إدعياء الثقافة المتشدقين بها في مجالس الزور و البهتان على ترديد تلك الاكاذيب السمجة لاطراف عرفت بأنعدام الضمير و الحس الانساني لديها ، كيف لا و ها هو حزب العمال الكردستاني يتجاهل تلك الصفقة التي عقدها نظام الاسد الاب اواخرالعام 1998 مع تركيا بوساطة الرئس المصري المخلوع حسني مبارك و بمباركة صهيونية لابعاد زعيمه عبد الله اوجلان عن الاراضي السورية و تسليمه الى حكام انقرة على نحو شائن و يلقي الان بكامل قواه جنبا الى جنب مع ادوات القمع الاسدي باذلا كل ما بوسعه لسحق مطالب الشعب العربي السوري بالحرية و و محاولا النيل من وحدة سورية الترابية متسلحا بالدعم الغربي بعامة و الأمريكي بخاصة على نحو يسمح بتقسيم سورية و اقامة ما يسمى باقليم كردستان الغربي في اقصى شمال شرق الجزيرة الفراتية العربية السورية ؟!!!!!!!!!!!!

إن استمرار مسلسل الاكاذيب و المقارنات الظالمة الجائرة بين القيادة العراقية الشرعية و النظام الحاكم في دمشق على ضوء ما حدث في الغوطة الشرقية الابية حفزنا و حثنا على المضي قدما في استعراض تاريخي للمواقف المشرف للقيادة العراقية البعثية الاصيلة التي لا يجب ان تغيب عن اذهان الناس في وطننا العربي الكبير البتة فعندما اغار الصهاينة على مفاعل تموز النووي العراقي في العام 1981 في اوج الحرب العراقية الايرانية احتفظ العراق بحقه المشروع في الرد على هذا العدوان الغاشم لظروف موضوعية و هذا ما قام به بالفعل بعد ذلك بعشر سنوات خلال ما عرف دوليا بحرب الخليج عام 1991 و لم يبق الامر مؤجلا الى اشعارا مفتوح غير مسمى !!!!!!! و يحسب للعراق في حينها انه أول من دق وقرع ناقوس الخطر في مواجهة نظام الملالي الحاكم في طهران في وقت كان فيه الآخرون يهللون ويكبرون فرحا وطربا لنظام الخميني الدجال و في مقدمتهم النظام الاسدي و بعض الجماعات التي تدعي و تزعم أنها اسلامية !!!!!! .

اما لجهة الايمان بالحرية فقد كان ايمان القيادة العراقية بهذا الامر الحيوي ايمانا راسخا اصيلا استفادت منه كافة مكونات المجتمع العراقي و الحديث هنا يدور عن ثلاث قوى رئيسة في هذا الصدد من اقصى اليمين الى اقصى اليسار و هي : –

أولا : – جماعة الاخوان المسلمين التي شغل مراقبها العام الدكتور عبد الكريم زيدان منصب وزير الاوقاف في اول حكومة عراقية شكلت بعد ثورة 17 – 30 تموز المجيدة و التي وافقت الجماعة على برنامجها بخطوطه العريضة حتى لجهة السياسات الاقتصادية كالاصلاح الزراعي و التأميم المتوافقة مع بعض اهم ادبيات قيادات الجماعة ككتاب اشتراكية الاسلام للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى اول مراقب عام للجماعة في سورية ، علما بأن الدكتور زيدان لاحقا اصبح عميدا لكلية الشريعة و القانون في جامعة بغداد و و اصبحت كتبه كالوجيز في اصول الفقه مرجعا يدرس في كثير من كليات الشريعة في الوطن العربي !!!!

ثانيا : – الحزب الشيوعي العراقي الذي شكل مع حزب البعث الجبهة الوطنية التقدمية في العام 1972 وهي ليست على غرار نظيرتها في سورية مجرد ائتلاف شكلي صوري بل كانت أطار فاعل على ارض الواقع وتمتع الشيوعيين بحرية العمل و الحركة داخل الجامعات و المعاهد و النقابات والاتحادات العمالية و المهنية و كان لهم منشورات ومطبوعات تمارس النقد اللاذع غير البناء بحق القيادة العراقية جهارا نهارا .

ثالثا : – القوى والحركات السياسية الكردية المعارضة من منطلقات و اسس قومية شوفينية حصلت هي الاخرى بدورها على حرية العمل السياسي و التنظيمي ومنح الاخوة الاكراد حكما ذاتيا و اسع الصلاحيات في اطار ما عرف باعلان 11 آذار / مارس التاريخي لسنة 1970 في سابقة هي الاولى من نوعها على الصعيد الاقليمي وترتب على ذلك الاعتراف بالقومية الكردية كقومية ثانية في القطر العراقي و ما ترتب على ذلك من تبعات ثقافية ولغوية كوجود صحافة ناطقة باللغة الكردية ناهيك عن ساعات بث محددة تلفزيونيا و اذاعيا بهذه اللغة وهي حقوق كان محروما منها الاخوة الاكراد في بعض دول الجوار حتى وقت قريب بل ان بعض الدول بما فيها تركيا العدالة و التنمية لا تقر و لا تعترف بوجود قومية كردية على اراضيها حتى هذه اللحظة و تصفهم و تنعتهم بأتراك الجبل ( في اشارة ضمنية للاناضول ) بل أن القيادة العراقية اتبعت كافة سياسات تأليف القلوب مع المواطنين الاكرادمن خلال البعثات التعليمية و المنح الدراسية و الاعفاءات من الخدمة العسكرية الخ ………

حتى ألد أعداء البعث في العراق و في مقدمتهم الخميني الدجال فقد تمتعوا و استفادوا من هذه الحرية حيث عاش هو شخصيا في بلاد الرافدين أربعة عشر عاما كلاجيء سياسي في مدينة النجف منها عشر سنوات في ظل حكم البعث و كان يروج لنظرية ولاية الفقيه بين اوساط المرجعية الدينية و الحوزة العلمية دون ان يمسه احد بسوء او حتى ينبس معه ببنت شفة وعندما طالب الشاه بتسليمه بموجب اتفاقية الجزائر للعام 1975 التي يتضمن أحد بنودها نصا واضحا صريحا في منع ان تكون اراضي اي من الدولتين منطلقا لاعمال عدائية ضد الاخرى او لحملات التحريض الاعلامي فان العراق لم يقدم على تسليمه مكبلا بالاصفاد الى شاه ايران بل خيره بين التزام الصمت او البحث عن دولة اخرى تأويه !!!!!! فذهب الى فرنسا و عاد مكللا بالغار بعد اشهر قليلة من ذلك ولم تقدم القيادة العراقية على سلوك مماثل لذلك الذي اقدم عليه حافظ الاسد مع عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني عندما تم ترحليه و تسلميه الى السلطات التركية بمساعدة و معاونة من الموساد الصهيوني على اثر صفقة تنازل فيها الاسد الاب عن لواء الاسكندرون كما تنازل عن الجولان من قبل وبالرغم من ذلك ترى انصار حزب العمال الكردستاني و منتسبيه في سورية ينحازون الى جانب النظام الحاكم في دمشق كما اسلفنا بالذكر سابقا !!!!!!!!!!!! .

أما الشاطر حسن عدو الله امين عام حزب الطاغوت الصفوي وسلفه في قيادة الحزب المدعو عباس الموسوي التقيا لاول مرة ببعضهما البعض في القطر العراقي في مدينة النجف تحديدا في العام 1977 في ظل حكم البعث و لم يحدث لقاءهما في جبل عامل جنوب لبنان او في الضاحية الجنوبية من بيروت او حتى في بعلبك بسهل البقاع شرق لبنان !!!!!!!!

أما بالنسبة لاحداث حماة في العام 1982 فقد اتخدت القيادة العراقية قرار جريئا بدعم الحراك الشعبي الثوري السوري ضد العصابة الاسدية واحتضنت المعارضة السورية بكافة اطيافها بما فيها المختلفة معها ايديولوجيا وقدمت لها الدعم اللوجيستي السخي بشهادة المراقب العام السادس لجماعة الاخوان المسلمين في سورية الاستاذ عدنان سعد الدين رحمه الله تعالى في حين كان يقدم فيه الاخرون ممن يتبجحون بأنهم حماة العقيدة و الدين الدعم و الاسناد لسرايا الدفاع الاسدية وقائدها السفاح رفعت الملعون فيما كان علماء السلاطين يلوذون بصمت القصور و القبور !!!!!!!!

كما تمتع الاخوة من المعارضة السورية بحرية الحركة في العراق و حماية الدولة العراقية في وقت كان فيه اقرانهم في كبريات المدن الاوروبية يتعرضون للتصفية والاغتيال على يد فرق الموت الاسدية كما حدث مع الاستاذ صلاح الدين البيطار والاخت بنان الطنطاوي رحمهما الله تعالى اللذين تعرضا للتصفية الجسدية على يد جلاوزة الاسد الذين كانوا يصولون ويجولون فوق اراضي تلك البلدان التي تدعي انها دول قانون ومؤسسات و تحترم اتفاقية جنيف الدولية بخصوص حماية اللاجئين السياسيين !!!!!!!! و تتبجح بنظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو كفرنسا على سبيل الذكر لا الحصر !!!!!! و أخيرا و ليس آخرا ليعلم القاصي و الداني ان الحق يعلو و لا يعلى عليه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى