#معاهدة_وادي_عربة : تفاوض ام لا تفاوض ؟
بقلم #عبدالفتاح_طوقان
في مساء الليل ، بالتزامن مع اجتماع خمسة وسبعون شخصية وأمناء أحزاب وروؤسآء وزراء سابقون، تشرفت بدعوة من الدكتور عبد السلام المجالي للحضور والمشاركة بجلسات حوار دعي لها الملك الحسين ، حينها قال الازدحام يعيق الحركة وكان الهدف الاقلال من عدد الأحزاب وانشاء ثلاث او اربع أحزاب وطنية قوية، و كان ذلك في نادي الملك الحسين بمدينة عمان والمقام على الدوار الأول.
دق هاتف رئيس الجلسة دولة الدكتور عبد السلام المجالي و كان المتحدث الملك الحسين رحمهما الله، حين كان الملك الحسين قد اتفق مع الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي علي السير في اعتراف بإسرائيل “الدولة” وحدودها في مقابل الاعتراف لأول مرة بحدود الأردن و التمهيد لتوطين الفلسطينيين في مقابل الإبقاء علي العرش الملكي وهو ما كان سبق الاتفاق عنه مع رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر وقد مهد ذلك لاحقا للوطن البديل واحتضان الفلسطينيين بحقوق كامله في الأردن الجديد، و في غياب تام و سرية عن الجميع دون استثناء الا مدير المخابرات.
الان وبعد سنوات عدة تقارب الثلاثون من توقيع معاهده وادي عربه في ٢٦ اكتوب ١٩٩٤،، و في بيروت حيث يمتد نظري صوب فندق السان جورج الشهير اراجع الملاحظات واستجمع احاديث دولة رئيس الوزراء الأردني و رئيس ما اطلق عليه وفد التفاوض ، اضع هذه الحقائق . ماذا عن حقيقة التفاوض ؟ حقيقة وادي الصدع العظيم الذي اطلق عليه وادي عربه و كان سببا في صدع سياسي لا تزال اثاره للان.
اغلق دولة رئيس الوزراء هاتفه و اخبر الحضور باختياره رئيسا لوفد التفاوض مع إسرائيل، وترك المنصة وخرج مسرعا لمقابلة الملك ولحقته مناديا دولة الرئيس :فأجاب نعم عبد ، قلت له كن حريصا فقد كتب كيسنجر في مذكراته ان الرئيس السادات كان متسرعا و فاجاء ذلك الإسرائيليون اللذين حصلوا على اضعاف ما كانوا يتصورن استحالته مضيفا والحديث هنا لكيسنجر:” لو كنت مستشارا للسادات لاتيت له بالكثير مما فقد”. و اجابني الرئيس المجالي ، لا توصي حريص عبد. و رددت عليه سيدي ” و ذكر ان نفعت الذكرى”.
دلف المجالي الي سيارة مرسيدس سوداء ، وطارت مسرعه الي القصور الملكية حيث كان الملك بانتظاره ومعه السفير الأمريكي حسبما افادني لاحقا دولة الرئيس.
وصل الوفد الي الولايات المتحدة قبل بدء المقابلة، و لم يكن لديه أي أوراق او مستندات او فكرا عما سيدور، و كانت اللحظات صعبة و مليئة بالحزن و الخوف ، الرهبه ووقف الدكتور الدمث مروان المعشر وزير الخارجية يترقب ويري زملائه ينفثون الدخان وبعض من أعضاء الوفد يمشون وهم متوترون يمينا ويسارا، ولم يخفف من رهبة الموقف الا حديث و نكات نائب رئيس الوزراء جواد العناني الذي بات واثقا مرحا يطلق النكات هنا وهناك حتى ارتاح الحضور الي ان دخل عليهم المفاوضون !!!! هكذا وصف لي الدكتور المجالي الموقف لان الجميع كان محاطا بكراهية الكيان الإسرائيلي التي احتلت أجزاء من الأردن و اغتصبت فلسطين.
قال لي الفريق تحسين شردم في استراحته الخاصة علي البحر الميت، عبد هل تعرف كيف رسمنا وحصلنا علي الحدود ؟ ، لم يكن معنا خرائط او وثائق رسمية ، كان هناك مساح إسرائيلي وضباط امريكيون و اسرائيلون ، و المساح معه عجلة و طباشير ابيض لتحديد الأرض وكنت كل فترة ادفعه بكتفي ( تحسين شردم طوله ١٧٥ سم وهو عريض الكتفين و قوي البنية) ، لاحصل علي بعض سنتميترات من الأرض لصالح الأردن.
وصلت فندق البستان في دبي ، بناءآ علي طلب من الدكتور المجالي ، و كان قد حضر سنوات بعد ان تمت معاهده وادي عربه، وكان معه دولة الرئيس عدنان بدران ( لم يكن رئيسا للوزراء حينها) و كان نائما علي الاريكه امامه في الطابق الأخير من الفندق في الجناح الرئاسي الخاص. كانا كلاهما في الطريق الي باكستان.
روي لي الدكتور المجالي عده روايات، الاولي قرأة خطيرة اثارت اهتمامي بريشة السياسي الحريص تخص معالي الدكتور باسم البهلوان ( اتهم بالتعاون في موآمره لقلب نظام الحكم مع الأمير حمزة) ، و مدي خطورته و اجندته الخاصة في الأردن محذرا منه و بدا منزعجا منه.
و الثانية عزمه علي اصدار مذكراته و سئلني سؤالا يستحيل الإجابة عليه ، كيف يمكن لرئيس وزراء ان يقفز عن احداث ، منعطفات تاريخية دون ان يحكم عليه تاريخيا وان كان عليه ان يكتب حتي لو كلفه ذلك حياته. و الحقيقة المجالي واضح وصريح و انسان وطني طالما اعجبني طريقه تفكيره.
و الثالثه عن التفاوض ، و قال لي كلما كنا نصل الي نقطة نتفاجئ من الوفد الإسرائيلي قولهم ” هذه متفق عليه مع الملك الحسين بامكانكم الرجوع اليه “. قالها وهو مخنوق و صوته مقرون بخيبة الامل و كان يتنهد باحباط. و سئلته : دولة الرئيس هل اطلعت الملك الحسين علي ذلك ؟ و هل كانت هناك مشكلة فرد علي ” لقد ذهبت لمقابلة الملك الحسين و كان يرتدي قميص ابيض وقد رفعه الي الرسغ وربطة عنق ذات اشكال ملونة و ينفث سيجارة تلو الأخرى دون توقف ،اخبرته بما حدث، و قلت له ، ياسيد البلاد انت الملك والقائد ونحن نمثلك في التفاوض و مستشاريك الحريصون علي الأردن ولن نخذلك او نقوم باى شيء لا ترضى عنه، والكلمة الأخيرة لك، لكن اذا سمحت لي ان تسمح لنا بنقل ما تريد الينا لا الي الإسرائيليون و أتمنى علي جلالتك الا نتفاجيء بموافقتك و دون ان ندرى فنظهر باننا مجرد قطع من الطوب المصمت بلا روح او فكر ، نفتقد الي أسس التفاوض الحقيقي”. نحن سيدي اهل البيت لا مجموعة مستعارة. انتهى الاقتباس
و عدت استفسر ماذا بعد دولة الرئيس ، و قد صعقت للرد ، حيث اجابني دولة المجالي لقد روعت من حديث الملك الذي قال وهو واقف و كانه ينهرني قائلا :” اشكرك وقم بعملك فقط، هذا الموضوع ليس مجالا للمناقشة ، الأردن يعني لي اكثر منكم فأنا مهدد ومحاط بالف صاروخ من كل ناحية للقضاء علي الأردن وعلي الملكية والعرش” ثم اضاف وتركني الملك بمفردي وخرج ، بعد ان رمي عقب السيجاره خارج المنفضة في حركة عصبية خارج كلاسيكيات الملك و لم اعرف ماذا سافعل، حتي فنجان القهوة الذي امر به الملك لم ارتشف منه قطرة.
و أضاف دولة الرئيس المجالي ،،هو من رؤوساء الحكومات الأقوياء ، لقد كان ياعبد الخلاف كبيرا وانتهت المقابلة ولم يحادثني الملك لثلاثة أيام بينما كان يراقب كل جلساتنا من خلال غرفة خاصة ، تلك الجلسات التي اطلق عليها ” لجان التفاوض” و هي في الحقيقة في كثير من اجزائها صورية، والاتفاق مسبق و منتهي، وكنا هدف لكاميرات و تسجيلات عرفت ان الفريق سعد خير وضعها دون علم أي منا ولا حتى انا المفترض انني رئيس الحكومة!!
استمعت للحديث بتركيز كبيروتئن مدركا قيمة ما ادلى به المجالي، و صحبته بسيارتي الخاصة الي المطار الرابعة فجرا ، بعد سهرة طويلة ، وقد رأيت في عينه كيف كان ممسكا بجمرة من النار في يده وقت التفاوض، مكبل اليدين، واحتجت الي دقيقة لاستوعب صوته ووصيته بحفظ كل ما ادلى به، واعتقدت عندما اصدر مذكراته انه سيكتب عن ذلك لكن خلت مذكراته و قضمتها طرق جانبية كما هو متوقع في كمائن الابتئاس من الحال المحدود. و استئذنت دولته ان اكتب ذلك يوما، و كنا قد وصلنا مطار دبي استودعته السلامه وغادر وبرفقته دولة الدكتور عدنان بدران ، ثم تكرر اللقاء في منزله و تشاركنا العشاء مرارا الي ان التقينا على العشاء في مطعم نجيب محفوظ، ثم مره ثانية في منزل السفيرالأردني في القاهرة دولة الدكتور هاني الملقي، و لذلك حديث اخر.
هكذا هو التفاوض او لنقل اللا – تفاوض، ما حدث من السادات كان متشابها مع ما حدث من الملك الحسين، الصراخ في الكنيسة خارج أوقات الصلاة بينما السير نحو الوطن يتم بصمت الجنائز.
aftoukan@hotmail.com