معاناة #المعلم #المصري (مشاهد واقعية مؤلمة )
بقلم (أمير شفيق حسانين)
جلست وزملائي المُشتغلين بمهنة #التدريس ، نشتكي أحزاناً كستْ قلوبنا ، وأوجاعاً سكنتْ أجسادنا ، وأمراضاً عضوية ونفسية كادت أن تُعسكر في أبداننا ، بسبب مشاق مِهنة التدريس ، وما يُبذلْ فيها من جهود مُضنية ، لا يتحملها إلا فئة العُصبة أولي القوة ، وتساءل كل منَا ، إلي متي ستستمر تلك المعاناة اليومية التي تُلازم كل مُعلم ، منذ نهوضه من فراشه ، وكأنه مقصوم الظهر ، ثم خروجه من بيته باكراً ، ثم عودته لبيته في وقت متأخر من الليل ، إنه شيئ يدعو للحُزن ، أن يُغادر المعلم بيته وأهله نائمون ، ثم يرجع إليهم ليلاً ، فيجدهم قد ناموا ، بعد طول إنتظارهم له !!
ليس طبيعياً أن يعمل المُعلم ، لمُدَة تزيد عن خمسة عشر ساعة يومياً ، مُستقطعاً من وقته وأنفاسه وعافيته ، داعِساً في الأوحال ، مُتأذياً من جولاته وسط الأمطار الغزيرة شتاءً ، مُتحملاً الحرور والحرارة الحارقة صيفاً ، زائراً للبيوت لأجل الدروس المنزلية ، مُهرولاً أحياناً ، ومُسرعاً في مشيته أحياناً أخري، صاعداً علي قدميه الطوابق العليا جداً ، قلقاً علي كرامته ، بل يخشي أن يصل لبيت تلميذه فلا يجده ، ووقتها تقتله الحيرة فيظل سائحاً في الشوارع ، لا يدري أن يذهب، وكيف يقضي وقته الضائع ، حتي يأتي ميعاد حصة الدرس التي تليها !!
وهكذا يظل المعلم علي حاله من البؤس تُغطِي يومه ، مُتزيناً بتاج الصبر لمواجهة أزمات عمله داخل المدرسة ، ساعياً لكبت شغب طُلابِه وإحتواء غضب أُولي أمرهم ، مُجهداً لصوته وحنجرته لأجل تعليم وتهذيب الطلاب ، ثم يغادر مدرسته مسلوب العافية ، ذاهباً إلي حيث دروسه الخاصة متحملاً ما لا طاقه له به !!
ولذا فإن المعلم يخرج من عناء إلي عناء ، ويظل هكذا ، حتي الرجوع لمنزله ، خائر القوي البدنية ، يشتاق لأن يُريح جسده من آلام الجهد اليومي الشديد.
مسكين المُعلم المصري ، مضغوط وقته ، يتناول طعامه في عُجالة ، راغباً في الفوز بحِفْنه من النوم أو النُعاس ليُعطي بدنه حقَه ، وليُطفئ صداعه المتأجج ، فلا يجد لذلك وقتاً ، فلا تتعجب وإلتمس له الأعذار ، لو رأيته مُتعاطياً للمُسكنات ، أو مُحتسياً للقهوه فنجاناً وراء الأخر ، كي يتنبه وينتعش تركيزه ، ويتيقظ من نعاسه وشروده وخموله !!
إن الجدول اليومي للمعلم ، لا وقت به يُسعفه لأية مشاركات إجتماعية عنوانها الفرح أو الأحزان .. ولا وقت لدي المعلم كي يواسي مصاب في مصيبة أو يصل لرحم أو يعود مريض إلا ما رحم ربي ، ولا وقت لدي المعلم ليجالس أولاده فيحنو عليهم .
إن المعلم لو أراد أن يقضي حاجته ليُريح أمعاء بطنه ، أو أجبرته الرغبة في التخلُصْ من بَوْله المُحتبس ، ربما لا يجد ” بيتاً للراحة ” ليستريح .. فيظل يعاني العذاب من حبس فضلات بطنه وبَوْلِه الزائد في مثانته التي تكاد تنفجر، وهو كاظم لآلامُه وصابر عليها ، ممتنعاً علي الشكوي ، حتي يُكتب له الشفاء بذهاب الأذي .. فقط يود المعلم أن يجلس وقتاً لأداء الصلاة في وقتها !!
إنني أتحدث عن مهنة قوامها المشاق ، تزداد معاناة رُسُلها من المعلمين الكرام يوماً بعد يوم ، إنها مهنة جعلت من شباب المعلمين شيوخاً أصابهم الوهن الشديد ، يخشي كثيراً منهم أن يقبضهم الموت قبل أن إتمام الأربعين عاماً ، ولعل الأمر العظيم الذي يُجبر المعلم للعمل ليلاً ونهاراً بهذا ظالماً لعافيته وجانياً عليها ، إنما الدافع الأعظم لذلك ، هو الغلاء الفاحش لأبسط إحتياجات المعيشة ، والرغبة في الأمن من خبايا المستقبل وتقلباته !!
إن هذا ما يُجبرهم ، عن غير رِضي ، لتحمُل الأكباد التي أهدرت صحتهم ، ولجوئهم للتكسُب من أموال الدروس المنزلية المنظورة بعين الحاسد ، بعدما أقرت الحكومة متخبطة القرارات بفشلها في محو منظومة الدروس الخصوصية ، وكذبها المستمر وهي تزعُم تعويض المعلم مادياً !
وكيف للمعلم أن يواجه مسئوليات الحياه القاسية بجنيهات قليلة ، إنه لو إستغني عن الدروس المنزلية ، لأرهقته الديون ولعاني المُر والفقر معاً ، إنها طامة كبري ، لو صار المعلم عبداً للمال .. حقاً إنني أتحدَثْ عن مأساة ، تحتاج لمواساه !!