مطالب الشعوب العربية

مطالب الشعوب العربية
د. سليمان الرطروط

تسعى المجتمعات العربية كغيرها إلى تحقيق العديد من القيم الإنسانية في حياتها، وفي سبيل ذلك دفعت الكثير من دماء أبناءها ، ومقدراتها الاقتصادية لتحقيق حلم الحرية والعدالة الاجتماعية، وإنشاء نظام سياسي يعبر عن مكونات تلك المجتمعات، ويلبي الحاجات الأساسية لها ؛ كالتعليم المجاني بكافة مراحله، والرعاية الصحية المجانية عالية المستوى، وتوفر فرص العمل وبأجر يغطي حاجات الناس، ويبعد عنهم شبح الفقر والعوز.
ومن يطالع نصوص وثائق الانتداب على المجتمعات العربية فهي بمجملها تهدف إلى تأهيل تلك الشعوب لمقاربة الشعوب المتقدمة، وما أن غادر المستعمر _مرغماً أم طواعية _ حتى ظهرت المشاكل المعيشية للمجتمعات بأكثر وأعظم مما كان قبل أو أثناء الاستعمار؛ ولعل مرجع ذلك لسوء الإدارة ، كاعتماد المحسوبية، وعدم إنفاذ نصوص القانون، وتفشي ظاهرة الرشوة، وإسناد الأمر لغير أهله، وتعظيم المنجزات ، وإخفاء الحقائق، وإسماع المسؤول ما يرغب بسماعه، وفساد وإفساد أهل المشورة، وزيادة الفارق الاقتصادي بين طبقات وأطياف المجتمع، يضاف لذلك الجمع بين السياسة والتجارة ، وفرض الضرائب الكثيرة والكبيرة، كل ذلك وغيره أدى إلى الفقر المدقع، وإلى تنامي ظواهر الجريمة، وزيادة التطرف والعنف ، وتدني المستوى الأخلاقي ،وتناقص قيمة الانتماء الوطني، وزيادة الكبت والذي ظهر بالعنف المتصاعد في المجتمعات العربية.
ولقد أصبح حلم غالبية الشباب العربي يتمثل في الحصول على تأشيرة للهجرة للدول المستعمرة، فإن لم يستطع حاول دخولها تهريباً، على الرغم من إدراكه كثرة المخاطر، إلا أن لسان حال بعضهم يفضل الموت غرقاً أو في المعتقلات الغربية على العيش في وطنه، وما أسوء هذه الحالة.
إن الشباب العربي يحلم بعمل مستقر ومجزي؛ ليتزوج ويكون أسرة صالحة، ويعيش في بيت يملكه، ولكن الواقع مغاير، فلقد تأخر سن الزواج للذكور والإناث، وأحياناً لا يجد بعضهم غرفة واحدة يعيش مع زوجه فيها، مما أدى لزيادة نسبة العنوسة، فأصبحت بالملايين، كما فاقت نسبة البطالة إلى أكثر من 30%، أما السعيد الذي يجد عملاً فالراتب والأجر لا يكاد يكفي الأسبوع الأول من الشهر.
ولئن كان ما سمي بالربيع العربي انطلق بعد حرق البوعزيزي لنفسه للتعبير عن سخطه ويأسه، ورغبة بالموت على الحياة بفاقة وذلة، وإدانة للنظام ومؤسساته العاجزة عن إيجاد فرص العمل للشباب، إلا أن أنظمة الدول القُطرية لم ترتق لمستوى طموح الشباب للعمل، وكان شاغل المسؤولين إيجاد فرص عمل لأبناءهم وأقاربهم في مرافق الدولة ومؤسساتها ، وبرواتب فلكية، وما زلنا نشاهد آثار الانفجار وعدم الاستقرار في بعض الدول، والتي تمثلت بالصراع الداخلي المدمر لتلك المجتمعات.
وتطل علينا الآن مطالبات واحتجاجات في عدد من المجتمعات العربية لتحسين ظروف المعيشة، وتخفيض الضرائب المرهقة لإمكانيات وأجور الطبقة الفقيرة والتي إزداد عددها، حتى أصبح المجتمع دون طبقة متوسطة، ومن المحزن أن يكون راتب المتقاعد _ المدني أو العسكري_ والذي أفنى ريعان شبابه وخدم دولته معظم عمره، لا يكفي لحاجاته الأساسية الشهرية من المأكل والملبس والعلاج، فيلجأ لطلب المساعدة من المؤسسات الخيرية.
ومن الجدير بأولى الأمر والنهي في المجتمعات العربية الالتفات لمطالب الفقراء وأصحاب الحاجة، فالجوع كافر، ولا يمكن للشباب العاطل عن العمل أن يبقى صامتاً، فمن السهل استدراجهم لجهات خارجية أو داخلية مشبوهة، وعندئذ لن يسلم الجميع، وخاصة في بلدان حبلى بعناصر الاشتعال، ومكتنزة بالسلاح، وكثيرة الأطياف والألوان، كلبنان مثلاً.
إن المجتمعات العربية بحاجة لرجال دولة، يقدمون المصلحة العامة على الخاصة، يسعون لخدمة المجتمع، ويطبقون القانون على أنفسهم، ( فلو سرقت فاطمة بنت محمد _ وحاشاها _ لقطعت يدها ) ، بحاجة لمن يعيش معهم، ويتعلم في مدارسهم، ويأكل ويشرب من طعامهم وشرابهم، ويتعالج وأسرته بمستشفياتهم. ولعل المجتمعات العربية تعود بأزمتها لقلة رجال الدولة، وسوء الإدارة، وندرة الإخلاص، وليس لقلة الإمكانيات والموارد.
Sulaiman59@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى