مضر بدران .. نزاهة و اشتباكات و اعتكاف

#مضر_بدران .. نزاهة و اشتباكات و اعتكاف

#عبدالفتاح_طوقان

“أبو عماد” كما يحب ان يطلق عليه هو اشمل وابعد مما كتب في مذكراته، والاقرب الي الأمير زيد بن شاكر وكاتم اسراره، وصندوق خزانة اسرار المملكة الأردنية ، ومساعد مدير المخابرات الأردنية للقسم الخارجي ، ورئيس الوزراء اغفل متعمدا محطات من تاريخ الأردن في في مذكراته ” القرار” و ذكر الخبايا منقوصة لسبب امني وهو الذي كشف أجزاء من عورتها دون استباحتها تاريخيا ومنها ما ذكره في الطريق من دمشق الي مؤتمر مدريد، و تحذيره لصدام من التهور ، والتدخل العسكري ضد العراق، لكنه لم يعرج علي العلاقة مع نذير رشيد ( أبو جعفر) الذي اصبح بعده مديرا للمخابرات و الذي كان لاجئ سياسيا في مصر متهما بقلب نظام الحكم في الأردن، و كيف أوصى به ليكون خليفة له في إدارة المخابرات الأردنية ، و لم يتحدث بتوضيح اكبر عن طبيعة علاقته مع حافظ الأسد وغيرها من المفاتيح التي كانت بيده .

هو ثان من يكتب مذكراته وينشرها كمدير للمخابرات بعد مذكرات الفريق نذير رشيد ” حساب السرايا و القرايا” و كلاهما اغفلا وقائع تفصيلية عن قصد ولكنهما قدما وثائقيا بعض خلاصة جيل من المخابرات في الزمن الأصعب والتي هي شهادات للأجيال الأردنية وان كانت بها بعض من ثقوب بحاجة لمن يرثيها ليكتمل التأريخ دون تشويه او نقصان، ولكن كليهما تجاوزا التشديدات الأمنية – و يشكرا علي ما قدما – والتي تمنع من نشر المذكرات بالطريقة التي كانوا يرونها ضرورية. و اعتقادي ان المستقبل سيحمل مذكرات مدراء مخابرات طاف حولهما محاور أساسية للتعرف على ما تعرضوا له و ان كان الفريق سميح البطيخي مدير المخابرات القوي سياسيا و عسكريا في حينه قد رفض عرضا من فضائية الجزيرة بقيمة خمس ملايين دولار للتحدث عما حدث معه و بعض من التاريخ الذي كثف للهجوم عليه.

كان أبوعماد قد عاد من العراق حيث كان برفقة الملك الحسين لنصيحة الرئيس صدام من التهور و التآني ، واغفل ان صدام في لقاء اخر بحضور عدنان أبو عوده والملك الحسين بعد احتلال الكويت وبمجرد ان استمع صدام الي الملك الحسين ونصيحته بالانسحاب حتى يتجنب التدخل العسكري الأجنبي رد علي الملك الحسين باستهزاء قائلا :” هل شاهدت كيف ان العراق يصنع الخبز من القمح ، سياتونك بالعشاء لتعرف قدرات العراق” و ترك الجميع وانصرف دون وداعهم .

في الأيام التاليه بعد رفض صدام لنصيحة الملك الحسين بن طلال، تجاوز مضر بدران الحديث عن قاعدة الأزرق والتي هي احد القواعد التي تتمركز فيها القوات الجوية الامريكية ، (قبل اتفاقية الدفاع الامريكية الأردنية العسكرية التي أتت علي السيادة الأردنية الموقعة في ٢٢/٣/٢٠٢١)، ولم يآت علي ذكر تواجد ٨٠٠٠ مقاتل امريكي علي الأرض الأردنية آنذاك والتي شاركت في الحرب على العراق او حديث السفير الأمريكي لرئيس الوزرآء المهندس علي أبو الراغب بصفته وزيرا للدفاع معلما إياه ان الطائرات الامريكية انطلقت من قواعدها في بريطانيا و في طريقها لقاعدة الأزرق و ستصل خلال ساعتين تمهيدا لحرب الخليج ومطلوب افراغ القاعدة من العسكريين الاردنيين. ( من وثاىق الحرب علي العراق التي اتي ذكرها في البنتاجون و تحدث عنها الجنرال كولن باول السياسي ومستشار الامن القومي الأمريكي والجنرال المتقاعد بأربعة نجوم في جيش الولايات المتحدة الامريكية التي غزت العراق و سعت الي تدميره خلال حرب الخليج).

“أبو عماد” انسان نظيفا شريفا لم تمتد يده الي خزائن المخابرات بقرش ، و بدء حياته بشراء سياره مستعمله طلب من احمد طوقان ان يكفله لدفاع اقساطها و قيمة القسط كانت ثمانية دنانير، وكان معه صديقه و الذي اتى به وزيرا لحاقا وهو المرحوم نبيل أبو الهدي زوج السيدة ليلي ابنه رئيس الوزراء الاردني في السبعينات دولة المرحوم احمد طوقان.

وهو نفسه الذي صمم له المهندس المعماري جعفر طوقان منزله في عبدون ، ثم قام بعدها المهندس جعفر بزيارته طالبا منه عدم ذكر انه المصمم لان “أبو عماد” قرر ان يغير من التصميم بعد بناء المنزل و يضيف كراجات دون موافقه او علم المعماري صاحب حق التصاميم ، و قال للمرحوم المهندس جعفر : هذه اول مره تصدر تعليمات لمدير مخابرات من انسان مدني ولكن مرحبابك فآني اقدر مهنيتك واهتمامك باعمالك المعمارية.

                             ( المهندس المعماري جعفر طوقان الذي امر مضر بدران بعدم ذكر اسمه انه المصمم لمنزله)

وهو نفسه ، الذي علم الملك الحسين بنزاهته وانه لم يتصرف في أي من أموال الدولة او خزانتها لبناء بيته، فذهب له مساء يوم ودون مقدمات و برفقته الأمير زيد بن شاكر و معه حقيبتان بهما ٢٠٠ الف دينار نقدا ، وضعهما الملك امامه و قال له هذا حق لك مثل غيرك ، لماذا لم تطلب مثلما حدث مع رؤوساء وزراء مدراء مخابرات اخرون ؟ .

و الملك الحسين يقدر كثيرا مضر بدران، صاحب المدرسة السياسية ، التي اراد الملك ان تكون ندا لمدرسة زيد الرفاعي، حين غضب الملك علي دولة رئيس الوزراء الرفاعي ، فآتي بابو عماد رئيسا و الذي احضر معه الدكتور عبد الرؤوف الروابده ليكون ندا قويا لاحقا.

وهو من اسس و دعم ما اطلق عليه القائمة البيضاء في النقابات، و صاحب فكرة المجلس الوطني الاستشاري ، العديد العديد مما هو من خزائن الدولة و لم يآت علي ذكرها، و لعل من اهمها دوره في استحضار خرائط خط بارليف و تسليمها لمصر في اكبر عمل استخباري عسكري قدمته المخابرات الاردنية لمصر في حرب ١٩٧٣ و لم يذكره احد و يعتبر من المهام الوطنية لجهاز المخابرات الاردنية ضمن مهام وطنية عديده قامت بها و لم ترد بعد.

كان مضر بدران يمكن له أن يتحرك بسهولة ويأخذ ما يريد، خاصة وآن بعض ممن سبوقه مدوا يدهم ولم يحاسبهم احد، كان عليه فقط ان يطلب و يحدد ما يريد في التوقيت الذي يريد، و لكنه كان مثلا طيبا للاخلاق والأمانة و الشرف التي يتمتع بها كثير من ضباط المخابرات الأردنية ، وله شبه كبير – طبعا مع الفارق في التوجه مع الفريق سوار الذهب الذي قاد انقلابا في السودان ثم ترفع عن الرئاسة و سلمها – وخصوصا عندما قرر ابو عماد و اختار ان ينسحب من الحياة السياسية عندما قرر ان يتعامل مع الملك عبد الله الثاني مثلما تعامل مع الملك الحسين بعلاقة شخصية رحمه الله، و لم يوفق بل انه وجد صعوبة حسبما تشير مذكراته مؤكدا أن خياراته كانت ستؤدي الي اشتباكات تتمزق معها الحقيقة وتحترق فاعتكف متحسرا رحمة الله عليه و بقيت ذكرياته ” القرار” الذي تفوح منها بعض من روائح الحقيقة المغيبة.

aftoukan@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى