مصدر التشريع / د . هاشم غرايبة

مصدر التشريع

هنالك اعتقاد خاطيء عند كثيرين أن التشريع في الإسلام ينبع من ثلاثة مصادر هي : القرآن والسنة والإجتهاد، والصحيح أن مصدره إلهي فقط أي واحد، لأن الله لا يشرك في حكمه أحدا، وهو مثل القول أن مصدر الضياء في الأرض الشمس والقمر والكواكب، والصحيح أن المصدر هو الشمس فقط لأن القمر والكواكب لا تصدر الضوء بذاتها بل تستمده من الشمس وتعكسه للأرض.
ظهر الخلاف على أشده بين العلماء والفلاسفة المسلمين ابتداء من عصر التابعين على هذه القضية، عندما تحولت الدولة الإسلامية الى الحكم العضوض، فأخذ الحكام بالبحث عن أسانيد شرعية تعزز من سلطتهم، وتبرر البطش بمعارضيهم، فلم يجدوا ضالتهم في القرآن الكريم فهو ثابت المعاني والدلالات، فلجأوا الى بعض الأئمة للتنقيب عما يوافق هواهم من اجتهادات، بالمقابل تشدد آخرون في القبول بصحة أحاديث وخاصة تلك التي لم تتطابق مع نصوص التشريع القرآني، ثم ظهر من يسمون بالقرآنيين أي الذين يرفضون كل ما لم يرد في القرآن الكريم ويتشددون في قبول الأحاديث غير المتواترة، ونسي هؤلاء نصا قرآنيا صريحا “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا”.
إذن كيف نوفق بين نص هذا الأمر ومبدأ أن التشريع الإلهي جاء مكتملا قطعي الدلالة بنصوص قرآنية، وأنه لا يمكن أن يكون ناقصا لكي تكمله السنة أو غامضا ليبينه أهل الإجتهاد ؟
يبين د. محمود حمدي زقزوق ذلك بقوله: إن السنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، وهى التطبيق العملي للآيات القرآنية،. فالتطبيقات النبوية للقرآن – التي هي السنة العملية والبيان القولي الشارح والمفسر والمفصّل – هي ضرورة قرآنية، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم. وتأسيًا بالرسول، وقيامًا بفريضة طاعته – التي نص عليها القرآن الكريم. والعلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهي – القرآن – وبين التطبيق النبوي له – السنة النبوية – فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين الدستور والقانون. فالدستور هو مصدر ومرجع القانون. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور، ولا حجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور. ولا غنىً ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
نستخلص أن هنالك أحكاما قطعية في القرآن الكريم ( مثل الحدود وأصول العقيدة والمعاملات) لا اجتهاد فيها ولا تعدلها السنة بل تطبقها.
ومثال على الإجتهاد تعامل أبي بكر مع مانعي الزكاة بقتالهم، اتخذه بعض المجتهدين حجة لجواز قتل المرتد رغم عدم وجود نص قرآني بذلك، لكنهم مخطئون فقتالهم كان لتثبيت أركان الدولة التي هددها التمرد، لأن الحدود لا تنفذ جماعيا بل يلزمها محاكمة قضائية لكل فرد على حده.
وقد لام عمر الفاروق واليه الأشعري في العراق على قتل شخص ارتد، ولما سؤل عما كان يجب فعله قال :أن تحبسه وتسأله كل يوم إن تاب. وفي ذلك يتبين فهم عمر لمقاصد التشريع فلم يعد الإرتداد عن الدين يؤثر بعد أن توطدت أركان الدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى