الفزعة الرقمية والتعليم عن بعد!

الفزعة الرقمية والتعليم عن بعد!
د. مفضي المومني

إختزل مدير إدارة التعليم في وزارة التربية الموضوع بخمسين دينار! يا للهول… اشفقت عليه ومقدم البرنامج يحاصره وحضرته يصر ان الموضوع يوتيوب وخمسين دينار! واستسهل المبلغ على الطالب وهو الذي يجب أن يعرف أن بعض طلبتنا لا يجد عشرة قروش مصروف يومي، هذه الإرتجالية ومعالي الوزير صرح وقال والتسطيح للتعلم عن بعد بهذه الطريقه يجعلنا نندب حظنا العاثر لأن من يخططون لنا بكل بساطه لا يعرفون ومسكونون بمقولة كل المسوؤلين في بلدي لمن هم اعلى منهم (كل شي تمام) وانا أؤكد ان جاهزيتنا في التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد لا تتجاوز 5% بأحسن الأحوال لأن التعليم عن بعد ونقل المحتوى التعليمي للطلبة عبر الوسائل الإلكترونية وأكثرها إستخداما الإنترنت وتطبيقاته ووسائل الإتصال الأخرى، غير متاحة للجميع وغير مهيئة والمحتوى التعليمي الرقمي بأشكاله المختلفة والمصمم بشكل صحيح وفعال، بحيث يوفر للمتلقي الفهم والإستيعاب والتطبيق وغيرها من المستويات المعرفية غير متوفر، فالقضية ليست فزعه ولا تختزل بمدرس يشرح محاضره امام الكامرا… وفيديوهات رديئة الإعداد، المحتوى الرقمي للمواد التعليمية وإعداده بحاجة لمتخصصين إضافة لصاحب المادة العلمية، وأطراف المعادلة جميعا، التعليم عن بعد يعني وجود المتعلم في مكان يختلف عن مصدر التعلم سواء كان المعلم أو الكتاب أو مجموعة الدارسين أنفسهم أي التباعد المكاني، وشبكة الإنترنت يعتبرها البعض مرادفا للتعلم عن بعد بسبب إنتشارها مع ان التعلم عن بعد له اشكال كثيرة ومنها قديما المراسلة.
وزير التعليم العالي أطلق تعليماته للجامعات ووزارة التربية تتحسب لوضع طارئ لا سمح الله، ولكن كل هذا لا يعني جاهزيتنا للتعلم عن بعد، لأن سياسة البلد أصلا لا تعترف بالدراسة عن بعد لتاريخه، رغم التطور التكنولوجي الرقمي وأدواته وتطبيقاته، ولأن نظرة المتعلم والمجتمع سلبية نحو هذا النوع من التعلم متسقا مع سياسات قديمة بفرض الإنتظام في التعليم، حتى في الدراسات العليا والتي في طبيعتها تعتمد على المتعلم ويطلب للأعتراف بالشهادات الإنتظام أي التواجد في بلد مصدر التعلم ونحن نعرف أن مسار الرسالة ليس فيه إنتظام ولكن عنزه لو طارت.
صحيح أن لدينا بنية تحتية جيدة نسبيا وتغطي إلى حد ما قضية التواصل، ولكن كا حريا بوزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم ، وعلى عجل تشكيل لجنة من المختصين وحصر عناصر البنية التحتية الرقمية التي تخدم التعلم عن بعد، وكذلك المحتوى الرقمي الجاهز، والكوادر البشرية الفنية والعلمية، وبدل تشتيت الجهود وضع لجان وطنيه من المختصين لوضع محتوى رقمي لكل مساق يدرس في كل الجامعات، وتعميمه، وكذلك وزارة التربية، وبعدها البحث عن الوسيلة الأنسب لنقل هذا المحتوى من المصدر للمتعلمين، وإضفاء الجو التفاعلي ما أمكن لأن التعليم عن بعد يمكن أن يكون متزامنا او غير متزامن أو مخلوط، اي تواجد المصدر والمتعلم بذات الوقت او عدم تواجدهم، ولكل نوع محتوى تعليميه يناسبه، أما الفزعه الرقمية وإطلالة بعض المسؤولين على وسائل الإعلام إرتجاليا وعشوائيا بأننا جاهزون للتعليم عن بعد لكل هذه الأعداد وأن الموضوع خمسون دينارا يدفعها الطالب..! فهذا تسطيح وتسخيف وعدم إحترام لعقول الناس.
لنعترف أن التحول نحو التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية كافة ومجتمعنا، يتطلب تغيير وتخطيط ممنهج في نظامنا التعليمي من خلال سياسات واستراتيجات وخطط وطنية محكمة تعمل على إدخال وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها في العملية التعليمية التعلمية، وهذا لا يكون من خلال الفزعه( عناك وما انا عندك)، بل يتطلب فهم وتحول في ثقافة التعلم والتعليم، بحيث نتقبل التحول من بيئة التعلم التقليدية في غرفة الصف أو (التعلم وجهًا لوجه) أو Talk and chalk إلى بيئة التعلم عن بعد وبيئة التعلم التماثلي والافتراضي ، وهل يمكن تحقيق ذلك بقرار من وزير يتبعه تصريحات مسؤولين بأن الوضع تمام في فترة لم تتجاوز الأسبوع؟!
صحيح أن الظروف الحالية جعلتنا نفكر في التعليم عن بعد لكنه في الحقيقة اصبح متطلب لاحتمال ظروف مشابهه مستقبلا لا سمح الله، وللتطور المتسارع للتكنولوجيا وأدوات التعليم والتعلم وعدم حصره بالتعليم التقليدي والورق الأصفر الذي اصبح إرثا لدى بعض اساتذة الجامعات والذين لا يحسنون إستخدام الحاسوب، وبعض الكبار منهم يجد عداء ً بينه وبين أدوات التكنولوجيا وهذه حقيقه نعرفها!
التعليم عن بعد بحاجة أن يكون في صلب نظامنا التعليمي، بحاجة لبنية تحتية رقمية بمستوى متقدم، وكذلك وسائل إتصال مختلفة، ومحتوى تعليمي رقمي معد بشكل تفاعلي صحيح، وثقافة لدى المعلم والمتعلم تشكل اتجاها ايجابيا نحو هذا النوع من التعليم، عمليات تقييم مبتكرة للتأكد من حصول التعلم لأن التقييم عن بعد ليس سهلاً مقارنة بالتقييم التقليدي، ويحتاج أيضا طواقم فنية مؤهلة ومدربة إذا عرفنا أن كل معلم يُعّلم عن بعد يحتاج إلى أربعة موظفين مساندين يعملون معه بشكل مباشر او غير مباشر، بل يشكلون طواقم دعم فني لهذا النوع من التعليم، وهنالك أمور اخرى كثيرة يحتاجها التعلم عن بعد، ليس منها الخمسين دينار التي ذكرها مدير التعليم هداه الله.
اتمنى أن لا نحتاج لهذا الإمتحان وأن يبعد الله عن بلدنا وشعبنا كل سوء ، لأننا سنفشل ضمن المعطيات الحالية، مع علمي بوجود تعليم الكتروني في بعض جامعاتنا ونظمنا التعليمية لكنني متأكد انه لا يلبي المطلوب..! وفي نفس الوقت على صانعي سياسات التعليم في بلدي العمل منذ اللحظه على إيجاد أدوات التعلم عن بعد وأعتمادها وتطبيقها لتصبح جزءا ً نظاميا فعالاً في تعليمنا وتعلمنا بمختلف مستوياته… حمى الله الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى