مرسي حلم امة لا يموت / علي السنيد

مرسي حلم امة لا يموت

اكثر ما يحز في النفس ان الرئيس الشرعي الوحيد المنتخب لمصر الدكتور محمد مرسي مات مقهورا ، وفاقدا لحريته، وهو محاصر في قفص الاتهام في قاعة المحكمة، وقد امضى السنوات المرة معزولا عن شعبه وعن الشأن العام الذي ضحى بعمره لاجله ، وحتى الدواء كان يمنع عنه كي يتم المسارعة في موته، ولتدفن قصة الديموقراطية التي جاءت معه نهائيا من الواقع العربي.
وكان يشكو الى الله سوء معاملته ، فيعزل في المحكمة فلا يرى الا خيالات تتداول في مصيره.
ومضى مرسي، وهو يعاني الظلم لسنوات خلت دون ان يجد جهة تنصفه في هذا العالم الاسلامي او في العالم الديموقراطي الحر الذي اغمض عينيه على جريمة الاطاحة برئيس شرعي ، ورضي باخضاعه جورا للمحاكمة وكأنه مجرم، وجرى التضليل على احقيته في الحكم، واهمية الموقع الذي يشغله كرئيس منتخب لاكبر دولة عربية.
مضى الرئيس حزيناً الى العالم الاخر وهو يردد ” بلادي وان جارت علي عزيزة…. واهلي وان ظنوا علي كرام”.
وقد سلمته الزنزانة التي جرى عزله فيها لسنوات حتى عن عائلته الى القبر اخيرا ، وليصار كذلك الى عزل جثمانه الطاهر عن محبيه في قريته ووطنه فيدفن خلسة تحت طائلة الحظر والمسؤولية من المشاركة في التشييع، وتستمر الملاحقة لذكراه العطرة بمنع اقامة صلاة الغائب عليه في بعض الدول العربية، وكأن حبه اصبح جريمة يعاقب عليها القانون.
وسيظل التعتيم يلاحق مرحلة مرسي ذلك ان المطلوب هو شطبها من الذاكرة التاريخية للمنطقة.
فالى هذا الحد هم يخشون الديموقراطية في بلاد العرب، والذين ما كانوا ليتركوا التجربة كي تنجح، وقد تكالب عليها بقايا النظام العربي المدعوم امريكيا بعد احداث الربيع العربي ، وكان وجود مرسي يهدد وجودهم، فشرعية الصناديق والتعبير عن الارادة الشعبية في الحكم تناقض مواصفات السلطة العربية الاسطورية المبهمة التي تفتقر الى شرعيتها الشعبية، وحيث ما تزال الشعوب العربية مبعدة عن حقها في الحكم، والسلطة العربية المطلقة لا تعود بشرعيتها الى الشعوب التي هي مستودع الشرعية، والحكم لا يعود بشرعيته الى الشعوب ، ولا يؤخذ رضاها كمتطلب اساس لعملية الحكم العربية، وانما تحكم الشعوب بغير ارادتها ، ولا توجد وسيلة لاظهار مدى توفر الارادة الشعبية في عملية الحكم الجارية في المنطقة، والتي ادت الى كل هذه الكوارث والمعاناة في حياة الانسان العربي.
ولأن مرسي قيادة اسلامية مدعومة بإرادة شعبية فكان الخطر مهولا ، وكان حجم التآمر على مستوى الخطر فدبرت المؤامرة بأدوات داخلية وصمت عالمي مريب.
وقضى مرسي نحبه مظلوما ، وهو يستجدي العدالة الربانية، وسيكون شهيد التحرر العربي الشاهد الحي على تلك الانعطافه في التاريخ العربي، وسيعلم الذين صمموا الاحداث المأساوية في مصر انهم جرحوا جيلا عربيا يتوق الى التحرر والانعتاق، وان اجيالا عربية ستضع الشهيد نبراسا ورمزا لتحررها، وستكون تجربته ملهمة في التاريخ العربي الحديث.
ولن تطوي الايام رئيساً شرعيا محباً لشعبه وامته ، ومؤمنا باهدافها وتطلعاتها القومية، وحقها في السيادة والاستقلال ، والتحرر.
وقد كان صادقا في حكمه، ويسمو بحلمه في وطن حر، وكان مؤمنا بربه، وهو اقرب الى بساطة الانسان العادي، وكان يؤسس لتجربة في الحكم تتضمن النزاهة، والعدالة، وامانة المسؤولية، والبعد عن مواطن الشبهات و استغلال السلطة ومواقع النفوذ في الاثراء الحرام.
كان حاكما عادلا قرر الطغاة اخراجه من الحياة كي يحلو لهم الطغيان من بعده.
غير ان مرسي هو حلم امة لا يموت، وستكون العقود القادمة هي الفيصل والحكم بينه وبينهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى