محاكم الوان واشكال

محاكم الوان واشكال
مصطفى وهبي التل

اقلق عندما يهتم الاعلام الأردني، الرسمي وغير الرسمي، بمحاكمة منظور بها أمام المحاكم الأردنية. قلقي ينبع من التفاوت في الاهتمام بالقضايا المعروضة أمام المحاكم. البعض منها ورغم أهميتها وحساسيتها للشعب الأردني لا (يسترجي) الاعلام الأردني ( انو يجيب سيرتها). وبعضها عبارة عن كتاب مفتوح دون اي حذف او نقصان. لكن، في الغالب، معظم القضايا المهمة للوطن تبقى غامضة وذلك، إما بسبب قرارات منع النشر المزاجية أو بسبب (زمجرة) غير رسمية يعرف مضمونها جيدا الأعلام الأردني.
فعندما يدخل الاعلام الأردني بتفاصيل الحياة الجنسية لقيادي امني سابق اثناء محاكمته وفي نفس الوقت لا يجرؤ هذا الاعلام على ذكر لون قميص شاويش سابق اثناء محاكمته لا يمكن إلا الاستنتاج بأن أوامر عليا قد صدرت وأعطت الضوء الاخضر (لنشر غسيل) القيادي السابق وفي نفس الوقت أعطت الضوء الاحمر بعدم الاقتراب من القضايا الاخرى. لكن ما السبب؟ ما السبب الذي يحول قضية إلى قصة شبيهة بقصص الفضائح التي تظهر في صفحات الجرائد الصفراء ويحول قضية اخرى إلى قصة غامضة اشبه برواية لاجاثا كريستي؟ مع فرق واضح طبعا حيث ينقشع الظلام وتظهر الحقيقة في نهاية روايات اغاثا.
الجواب الرسمي، والمفروض أن نرتعد خوفاً عند سماعه، هو منع النشر والمتابعة لأسباب امنية!!
أي اسباب أمنية هذه التي تسمح (بشرشحة) مدراء أهم دائرة أمنية في البلد ليس مرة بل مرتين امام العباد؟ لنتحدث بصراحة ونعترف بأنه لا علاقة لأمن الوطن، والتشديد هنا على كلمة الوطن، بمنع النشر او السماح بالنشر. أي مراقب يدرك أن الاسترسال في التغطية لبعض القضايا لا يكون إلا (لوي ذراع) لموظف (كومبارس) أعتقد أن موهبته تسمح له بدور رئيسي، او لمعاقبة شريك اعتقد أنه يستحق حصة أكبر من الكعكة، او لأنه (اشتغل براني) ولم يدفع (الكمسيون)، او لذر الرماد في عيون الشعب. عدا عن ذلك (كله حكي فاضي).
دعونا (من اللف والدوران) ولنأخذ قضيتين حديثتين كمثال. القضية الاولى هي قضية فتى الزرقاء صالح والتي لا يكاد يمر يوم دون ذكر تفاصيلها واحداثها. القضية الثانية هي قضية مجلس نقابة المعلمين والتي صدر الحكم فيها قبل فترة دون أن يعرف غالبية الشعب، ومنهم انا، ماهي الجريمة التي اقترفها أعضاء المجلس! طبعاً من الصعب أن يصدق أي عاقل أن الجريمة هي التبرع للدولة!! هل وصل الفساد في الأردن بحيث اصبحت سرقة الدولة مجهود وطني بينما أصبح التبرع للدولة جريمة نكراء؟ مليارات تم نهبها وسرقتها من الشعب الأردني والحكومات السابقة شاركت بالجريمة من خلال صمتها وعدم ملاحقتها للمجرمين الحقيقين. لكن بخصوص مجلس نقابة المعلمين، تستيقظ الحكومة وتذرف دموع التماسيح من اجل بضعة الاف من الدنانير تدعي أنه قد تم اساءة استعمالهم من قبل النقابة؟
امامنا هنا قضيتان، القضية الاولى مسموح النشر عنها ومتابعتها والقضية الثانية حصلت (بالسر). طبعاً الهدف واحد في الحالتين: حماية مصالح معينة بشكل مباشر وغير مباشر. الاهتمام بقضية الفتى صالح الغرض منه هو تحويل الأنظار عن الجريمة الحقيقة وعن المجرمين الحقيقين الذين أوصلوا الأردن إلى حالة الإنفلات الامني من جهات عليا وقيادات أمنية وحكومية ونواب. كم تمنيت، كما تمنى الملايين، أن نرى بعضهم في قفص الاتهام مع (الزعران). أليس هذا أهم من معرفة نوع وطول البلطة التي استخدمها (الزعران)؟
أما التعتيم على قضية مجلس النقابة المنتخب، والذي قدم للأردن وللمعلمين أكثر بكثير من كل مجالس النواب في القرن الحالي، والذي منح الشعب حيزاً من الكرامة التي أضاعتها مجالس النواب والحكومات المتعاقبة، فرسالته واضحة: ممنوع أن يكون للشعب الأردني كلمة وكل من يتجرأ ويفتح فمه مصيره محاكمة في الدهاليز وملاحقات وضغوط أمنية واقتصادية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى