مبتدأ وخبر / د. هاشم غرايبه

مبتدأ وخبر

المبتدأ: كان أبو عزيز بلطجيا سابقا، وقبل أن يهرم ويفقد لياقته، جمع ثروة من جيوب الناس، لذلك يعتبر من أغنياء القرية، من ضمن أملاكه كان له على طريق مدرسة الذكور بستان وارف الظلال، وتغري ثماره اليانعة التلاميذ الذين كانوا يرتقون أكتاف بعضهم، فيتسوروا جدرانه العالية لقطف بضعة حبات.
ولما كان أبو عزيز بخيلا بطبعه، حريصا على عدم التفريط بأي شيء، فقد كان ذلك يغيظه، لكنه رغم يقظته الدائمة، لا يستطيع منع اعتداءات الأولاد، إذ كانوا يأتونه مجموعات صغيرة من جهات متعددة، فما أن ينشغل بمطاردة من تسلقوا السور الجنوبي، حتى تأتي مجموعة أخرى من الشمال.
وبهذا أنهكوه من غير أن يتمكن من تغطية كافة الجبهات، ففكر أن يستخدم معاونا، لكنه يريد تجنب الكلفه، فخطر بباله (حمدان) المخضّر، الذي يوظفه الفلاحون بأجر بخس لحماية حقولهم من الدواب السائبة، والذي فرح بوظيفته ووافق على العمل مجانا، وفي باله صورة الثمار الشهية التي سيتاح له تناول ما يشاء منها.
أبلى حمدان بلاء حسنا فأرعب الأولاد بشراسته وتوقفوا عن محاولاتهم، عندها صرفه أبوعزيز لعدم الحاجة إليه…فحزن حمدان ظانا أن إخلاصه سيعود عليه نفعا، لا أن ينقطع رزقه.

الخبر: بعد سبات عميق، ساد صفوف مؤيدي محور (الممانعة) لسنوات طويلة، سرت الحيوية بينهم، وذلك بعد أن أطلق “حزب الله” صاروخا مضادا للدروع من موقع مشرف على مستوطنة “أفيفيم”، فدمر بها آلية تقوم بأعمال الدورية قرب الحدود.
وكما كان إعلام “أحمد سعيد” في الستينيات يكتشف انتصارات موهومة، فقد ارتفعت الزغاريد وتعالت الهتافات في اوساط الممانعين، كون هذه العملية هي أول رد من قبل حزب الله على سلسلة طويلة من التحرشات المتواصلة منذ الإتفاق غير المعلن بالتوقف عن الأعمال العسكرية بعد عدوان الكيان اللقيط على لبنان عام 2006 ، والذي التزم به الممانعون الثلاثة (النظام السوري وإيران وحزب الله) من طرف واحد، فيما ظلت طائرات العدو تتبختر في الأجواء، وتقصف ما تشاء، حيث كانوا يكتفون في أعقاب كل عدوان باستنكاره مع الإحتفاظ بحق الرد (!)، ولما تجمعت الآلاف من حقوق الرد من غير تنفيذ أي منها، ساد الوجوم صفوف الممانعين وتوقفوا عن التهديد برد الصاع صاعين، فلم يُردَّ على مئات الصاعات ولو بحفنة واحدة.
لذلك رأينا الحيوية تعود من جديد، وعاد التباهي بجدائل الخالة (ايران وروسيا)، رغم أنهم لا يقلوا (انضباطا) عن النظام السوري.
لكن سريعا ما تبين أن هذا التصعيد محسوب من الطرفين، فقد اكتفى حزب الله بهذا الصاروخ المزدوج اليتيم، ولم يكن هنالك أية ردود تصعيدية من “نتنياهو”، ولم يُظهر التبجح المعتاد فاكتفى بالرد بمائة قذيفة مدفعية صاروخية، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
هكذا تم تنفيس الإحتقان المتجمع لسنوات في نفوس الناس الذين كانوا يتألمون في كل مرة يتم فيها قصف داخل العمق السوري واللبناني، فيتساءلون: هل هي مصادفة دائما أن تكون الطائرات الروسية والسورية بعيدة عن مسار الطائرات الإسرائيلية المعتدية في العمق!؟.
في الفترة الأخيرة، توسعت هذه البلطجة أكثر، فوصل القصف الى العمق العراقي، ونال من قوات “الحشد الشعبي” الذي على الرغم من أنه فعليا ذراع إيرانية، إلا أنه تم ضمه للجيش النظامي بهدف ابقاء تركيبة الجيش العراقي طائفية موالية لإيران، لمنع تكرار ما حدث عام 1980 .
كان واضحا أن ذلك لتخويف الإيرانيين من الإقتراب من الخط الذي رسم لهم، ودلالة على وجود تفاهم فرضه الأمريكان التزمت روسيا به طوال الوقت، يبقي أذرع إيران بعيدا عن الإضرار بالكيان اللقيط، ليس تخوفا عسكريا فذلك مستبعد، ولكن حتى لا يرفع من منسوب الأمل لدى الشعوب العربية، فتتحمس وتحبط المشاريع التصفوية الإستسلامية للقضية الفلسطينية، التي تجري بتعجل، اغتناما لحالة الإحباط الراهنة.
طمع النظام الإيراني، واعتقد أن خدماته المجانية في حراسة الكيان اللقيط تحت مسمى محاربة الإرهابيين، سوف تبقيه طويلا يتمتع بالثمار الشهية…لكن هيهات فأبو عزيز بخيل ولا يعطي، وقريبا سيشعر بعدم الحاجة للناطور، وسيستغني عنه، فيخرج مذدموما مدحورا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى