تغيرات هائلة ومذهلة شهدها الاقتصاد الوطني في السنوات الأربع الأخيرة، وتحديدا في فترة حكومة النسور، التي لم تتمكن ابدا من توظيف الحظوظ الاستثنائية التي حصلت عليها في تحقيق الاسقرار والتحفيز الاقتصادي المطلوب.
حكومة الملقي ورثت ملفا اقتصاديا صعبا للغاية، جعل من عملية المناورة والتحرك مستحيلة إن لم تكن معدومة، فالاقتصاد الوطني بات أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يقبل بشروط المجتمع الدولي ويحصل على المساعدات، أو أن يسير وحده ويعمل وفق ما يراه مناسبا.
الخيار الأول في التعامل مع المجتمع الدولي أمر بات ضرورة ملحة للغاية، في ضوء تنامي المديونية ووصولها إلى أكثر من 94 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وفي ضوء عدم التجديد للمنحة الخليجية، وإغلاق الحدود العراقية والسورية، وهبوط الصادرات والحوالات والتدفقات الاستثمارية والسياحية، وتراجع حاد في دخل المملكة، وتباطؤ واضح في النمو الاقتصادي.
أما خيار أن يعمل الأردن لوحده، فهو أمر بيد الحكومة، وتستطيع أن تتخذ القرار في ذلك دون الرجوع الى المؤسسات الدولية، لكن خطورة هذا الخيار تكمن في أن الاقتصاد الوطني بحالته الراهنة لا يمكن له ان يسير بأي اتجاه دون مساعدة الاخرين، فهو لا يقوى على مواجهة تنفيذ المتطلبات التمويلية للحكومة دون الحصول على اموال المانحين، لا بل دون الحصول على القروض وبأسعار فائدة عالية، لأن القروض باتت جزءا اصيلا من تمويل نفقات الدولة المختلفة، فهل باستطاعة الحكومة أن توفر الاحتياجات التمويلية من ايرادتها الذاتية، علما بأن جميع المؤشرات المالية الواقعية للخزينة في المرحلة الحالية هي أقل بكثير من الارقام المقدرة لها في قانون الموازنة العامة.
في الحقيقة؛ لم تترك حكومة النسور لحكومة الملقي أي خيارات اقتصادية، فغالبية قرارات الرفع اتخذتها حكومة النسور وأوصلتها الى حدها الاعلى، مقابل حصولها على اكبر مساعدات في تاريخ المملكة، ناهيك عن هدوء الشارع ودعم مطلق من مجلس النواب، ومع كل ذلك اوصلت الاقتصاد الوطني الى اسوء مؤشرات مالية منذ اعوام، من حيث النمو الاقتصادي المتباطئ والذي لم يتجاوز في السنوات الاربع الماضية 2.5 بالمائة، وهبوط الصادرات وتنامي المديونية والعجز.
عكس حكومة الملقي التي توقفت المساعدات في عهدها بانتظار شهادة السلوك من صندوق النقد الدولي الذي وضع الاردن في زاوية إما القبول باتفاق جديد معه يسمح بتدفق اموال المانحين وتعهدات المجتمع الدولي للمملكة، أو أن يبقى وحيدا يدير اقتصاده بعيدا عن الدول والمؤسسات الداعمة، فكان القرار بالسير باتجاه الخيار الاول، وهو صعب، لكن الخيار الثاني اصعب بكثير، لانه في الحقيقة يهدد امن واستقرار الاقتصاد الوطني الذي لا يقوى اليوم على ادارة شوؤنه منفردا دون رعاية دولية.
salamah.darawi@maqar.com