مأدبة السمك

مأدبة السمك..
عبد الله سمارة الزعبي

يُحكى أن رجلا ريفيًا أساء التصرف مع رجل من أشراف العرب أمام جمع من الناس، فكظم الأخير غيظه، وحاول التواصل معه ليفهم منه سر الإساءة، فلم يُجب، وكررت المحاولة غير مرة، فلم تفلح، فصبر الشريف على الريفي حتى صار الهلال بدرًا، فلم يُبدِ الريفي عذره..

ثم أجمع الشريف أمره لَيَدْعُوَنَّ الريفي إلى مائدة عظيمة، في محضر مشهود، فدُعي الريفي إلى وليمة عشاء كبيرة في قصر الشريف، فأجاب من فوره..

دخل الريفي القصر، وجلس على طاولة الطعام بين المدعوين، فأحضر الخدم زيتونًا أخضرًا، وآخر أسودًا، حُمّصًا بالطحينية، مغطى بزيت زيتون بكر، بطاطس مقلية مع “مايونيز” و “كاتش أب”، ثمار البحر، “جنبري”، يرافقهما توابل حامضة، وأخرى حارة، بالإضافة إلى مخللات، ومقبلات أخرى، مختلفة ومتنوعة..

تقصّد الشريف الجلوس في مقابل الريفي، ثم قال لضيوفه: “بسم الله”، فبدأ الريفي بالتهام الطعام، وذاك يواكله، ويسامره..

يسأله تارة عن شؤونه، وأخرى عن شجونه..

مرة عن أحواله، ومرة عن آماله..

وهكذا، حتى جرى بهما الحديث زمنًا ليس بالقصير، فبلغ الضيف حد التخمة..

وقبل أن يعلن امتلاء معدته، ويحمد الرب على نعمه، أشار عالي المقام إلى الخدم!

فأحضروا أطباقًا من السمك الضخم من نوع “بلطي” (أبو شوكة) مشويًا على الفحم، متبلًا بأجود أنواع التوابل وأفخرها، حتى إن لعاب المرء ليسيل من رائحتها، قبل أن يذوق الفم شيئًا من لحمها..

فسأل الضيفُ الشريفَ عما سبق من طعام، فأخبره أن ذلك لم يعدُ كونه مقبلاتٍ وحسب، وأن عوائد الأشراف في طعامهم هكذا، وأن هناك لواحق للمائدة كذلك..

وضعت الأطباق أمام الحضور، وبدأ الجميع بتناول طعامهم، إلا ذلك الريفي، لم يحسن تنظيف اللحم من الشوك، فلم يستطع بعد اللقمة الأولى أن يزيد، فتلفت إليه الشريف وقال بصوتٍ مسموعٍ جعل جميع الحضور يلتفتون إليهما: ما بالك توقفت عن الطعام، أُجير عليك الله إلا زدت يا رجل..

قال الريفي وقد تغرغر الدمع في عينيه: لا أستطيع؛ فقد نشب الشوك في لساني !

فقال له الشريف وقد جَالَهُ الزّهو: شوكةٌ نشبت في لسانك قد منعتك طعامنا، وأوقفتك عند حد الدونِ منه، فكيف راق لك أن توغل لسانك في عرضنا؟ وأن تطاول مقامنا؟!

نحن أناسٌ لا توسط عندنا***لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى