صراع هويات أم صراع أديان ؟

صراع هويات أم صراع أديان ؟
أحمد زغول

في خضم الجريمة التي أقدم -المقيم الشيشاني في فرنسا- على ارتكابها، والتي انتهت بقتله لمدرس قام بعرض رسوم كاريكاتيرية أُعتبرت أنها للرسول صلّ الله عليه وسلم، وتزامناً مع حدّة التصريحات التي صدرت عن الرئيس الفرنسي متهماً المسلمين بكافة أطيافهم ومللهم بأنهم متطرفين، وإصراره على دعم نشر الرسوم الكاريكاتيرية، لأبد أن نسبر غور هذه القضية التي بات صداها يجلجل في كل أنحاء العالم بشفافية تامة، وتجرد موضوعي. بيد أن القضية الأولى التي لا مناص من نقاشها وطرحها والمرتبطة بشكل جذري بمثل هذه الواقعة هي طبيعة الهويات التي تشكل نسيج المجتمع فرنسي، إذ يجب أن نسلط المجهر على الدوافع والمسببات التي دفعت الشخص الذي أقدم على قتل صاحب الرسوم الكاريكاتيرية المسيئية للنبي محمد(ص) والذي يرى في قراره نفسه أنه على صواب بناءً على المنظور الذي يتطلع به للدين- وإن لم يكن هنالك نص في القرآن الكريم يبيح قتل شخص أساء للنبي. علاوةً على ذلك، من الموضوعية أيضاً أن نعزو هذا الحدث إلى الصراع القديم الجديد “صراع الهويات” لنستطيع تحديد وتشريح الحادثة بشكل أدق، حيث إن المهاجرين يكون لديهم ثقافة مركبة- مزيج بيم ثقافتهم الأصلية وثقافة البلد المُضيف- وكلما شعروا أن ثقافته الأصلية تُقابل باحترام سيكون لديهم تقبل كبير لثقافة المجتمع المُضيف واكتسابها أيضاً، والعكس الصحيح. لكن إذا راقبنا الحدث عن كثب الحوادث القائمة على العنصرية والتي حدثت بالمجتمع الفرنسي سواء أكانت اثنية أو دينية أو غيرها من التميزات، فسنبصر أن المُقيم شعر بأن هويته الدينية -التي تُهاجم بصورة شرسة من قبل بعض من النسيج المجتمعي الفرنسي- في خطر؛ نظراً للهجمات التهكمية والفوقية الكثيرة التي لا مبرر لها نحو الإسلام والمسلمين. أما فيما يخص التصريحات الماكرونية الأقرب إلى التعميم والهرطقة، فهي لا تليق برئيس دولة، أو كشخص يعتنق الديانة المسيحية -التي تدعو إلى التسامح والإخاء والسلام- أو أي ديانة سماوية أخرى؛ لعدم جواز اتهام دين أو عقيدة أو طائفة بتهم لا تمت لها بصلة في حال قيام أحد من الأفراد الذين ينتمون لها بارتكاب جرم أو عمل منافي للإنسانية باسم هذا الدين أو العقيدة أو ما شابه ذلك. أما بخصوص المعلم صاحب الرسوم الكاريكاتيرية التي لا أعتبرها مسيئة للنبي محمد(ص)؛ لكنها تعتبر مسيئه لفكره وخلفيته الثقافية المسمومة، وعدائه اللامبرر لدين سماوي. لذلك، يجدر بنا أن نتمحص جميع الأسباب الكامنة وراء هذه الصراعات؛ وأن لا نسند كل الأحداث إلى مرجع ديني، ونحذو حذو الجهلة الذين هم من أمثال هذا المعلم الذي لا يحمل أي صفة تخوله أن يمتهن مثل هذه المهن النبيلة التي أختص بها الأنبياء وَالرُّسُل، ونسترسل في إطلاق التعميمات وشن العداءات إزاء الأديان والطوائف والعقائد الأخرى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى