لماذا لا نعيش مثل “الخواجات”؟

لماذا لا نعيش مثل “الخواجات”؟

د. علي المستريحي

بعد أن تناولنا #المنسف الأردني، جلس صديقي -الذي شاركني العيش في أرض ” #الخواجات “- متكئا على جنبه الأيسر، مشعلاً بيده اليمنى لفافة تبع كوبية، وسألني: لماذا لا نعيش مثلهم، مطمئني الحال، مرتاحي البال، لطيفي المعشر، مستقري #الأحوال و “فايقين ورايقين”؟

ضحكت بحزن بالغ وأنا أنظر لخيوط الدخان تتغلغل بلحيته وتتطاير فوق رأسه .. قلت له: لا بد أن تأثير المنسف مع التبغ الكوبي بدأ يعمل برأسك! أما أنا، فيكفيني “تدخين” المنسف وحده لأجيبك!

مقالات ذات صلة

هؤلاء يا صديقي عالمهم غيرُ عالمنا. هؤلاء يا عزيزي كمن ينطبق عليهم الحديث الشريف: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

أما نحن، فإننا #مسكونون_بالخوف .. بالخوف من كل شيء .. من لا شيء .. بالخوف من ماضينا، من حاضرنا ومن مستقبلنا .. بالخوف من غيرنا ومن أنفسنا .. بالخوف من الخوف نفسه!

نحن يا صديقي مسكونون بالمؤامرات .. ونحن فعلا نعيش #المؤامرات .. #الحكومة متآمرة، صاحب الدكان متآمر، موظف الأحوال متآمر، النواب متآمرون، بائع الخبز متآمر، بائع الخضار متأمر، الجزار متآمر والمعلم والطالب والمقاول والمزارع وبائع الخردة كلهم متآمرون!

في بلادنا الغنّاء يا صديقي، عليك أن تقيس طول لسانك كل يوم، وتقلمه كل حين خوفا من أن يزيد بمسافة جملة، بل كلمة، بل بمسافة حرف. عليك أن تبجّل صاحب الفخامة، صاحب السعادة، صاحب العطوفة كل يوم كي تتنفس، كي تعمل، كي تطعم ابنك قطعة خبز مغموسة بكرامتك المهدورة. عليك أن تصلي للإمام، للأصنام، تعبدها وتسبح بأسمائهم وتلهج بالدعاء لها صبحا وعشية كي يأذنون لك بالعيش!

في بلادنا العصماء يا صديقي عليك ألا تفكر، ولا تصمت حتى، فصمتك لم يعد محتملا. وعليك أن تشي بمن حولك، وعلى من حولك أن يشوا بك، والكل يشي بالكل، وعسس السلطان تطوف بين الناس، تسجل بلوح محفوظ ليوم موعود.

في بلادنا الحسناء يا صديقي الكرامة مهدورة، فما توفره من كرامة بالالتزام بمبادئك وبقولك الحق تدفع ثمنه من عيشك، من عمرك، من عافيتك، ثم يأتي حارس السلطان ليهدره بصفعة منه على وجهك .. أما الصافع فقد يكون أخيك أو جارك أو أنت مَنْ تجلد ذاتك!

نحن يا صديقي نعيش فقط لننتظر المفاجَآت تلو المفاجآت .. نعيش يومنا نترقب المفاجأة القادمة متى تكون، ما تكون، كيف ستكون .. مفاجآت فاتورة الكهرباء، انقطاع الانترنت ودوام البنوك .. مفاجآت شارع منهار، حفرة جديدة، سلعة مغشوشة، شحّاذ مشاكس، معاملة ضائعة، صاحب سوابق فالت، ضريبة جديدة، خطأ طبي، مهندس نصاب، مقاول متآمر، متعاطٍ كاسر!

بحركة مباغتة، انتفض صديقي من مكانه عندما أحس بمؤخرة لفافة التبغ الكوبي تلسع أصبعيه، ونطق: “كفى! هل لنا بفنجان قهوة ديث ويش الآن؟ نحتاج أن نفيق ..”!


لله درك أيها المنسف العظيم، أجزم أنك أفيون الأردنيين! لا تقولوا شيئا بعد أن تتعاطوا المنسف! فرقيب السلطة أصبح يطوف بين البيوت متتبعا رائحة المنسف!


  • ديث ويش (Death Wish): من أكثر أنواع القهوة المنبّهة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى