الصبة الخضراء!! / محمد العيسى

الصَبّة الخضراء!!
عايد فهد احمد سعد.. نعم سيدي.. انتم على ” الصبة الخضرة ” وحذاري ان يقوم أحد الجنود بالاقتراب منها!! هذا ما قاله قائد المجموعة أعلاه في توزيع المهام اليومية عليهم حيث ان هناك ساحة ترابية لم تكن تستخدم من قبل الجيش فقام القائد بعمل “صبة” اسمنتية بطريقة منمقة ووضع عليها اربعة جنود لتحذير الآخرين من الاقتراب منها كي تكتمل وتصبح صالحة للسير والتدريب عليها ، وبعد عدة سنوات وحيث أن الماء فارق “الصبة” منذ زمن وأصبحت كما أرادها القائد حتى أن القائد “ترمج” إلا أن مهمة حراسة “الصبة الخضرة” لا زالت قائمة حتى الآن.
كنت أسمع هذه القصة من كبار السن وأضحك مستغربا من فعل من يقوم على حراستها رغم أن الغاية من الحراسة قد انتهت ، حتى أنني كنت أصفها بأنها غير منطقية وكان تبريري هو ” وين عقولهم “!! إلا أنني وبعد العراك في هذه الحياة توضحت لي القصة وعلمت جيدا بأن في حياتنا الكثير من ” الصبات الخضر” والتي نقوم على حراستها دون أسباب ودون مبررات سوى أننا تلقيناها في الصغر او أجبرنا عليها أو حتى أننا نحن من اختلقناها لانفسنا.
فالنلاحظ على أنفسنا وعلى غيرنا بعض التصرفات التي نقوم بها كأن نرى طفلا يفتح مقص ليلاَ فنهرع اليه لا للنقذه من المقص لا بل لنقول له حذاري إن فتح المقص ليلا يجلب الجن!! كيف ولماذا لا نعرف سوى انه قد قيل لنا بأنه أحد الأسباب لدعوة السيد ” جن ” الى البيت فكررنا ما قيل لنا ولا نستبعد بأن يكرره أطفالنا عام 2050 وعلى هذه القصة قِس الكثير من القصص التي كبرت معنا رغما عنا.
ذهبنا للمدرسة خرجنا للشارع لعبنا في “الحارة” وتداخلت علينا الثقافات الضيقة بناء على مساحة المعيشة فتعلمنا “الكشرة هيبة” و “الكرش وجاهة” و “الناصح قوي” و “الدخان للزلام” تعلمنا بأن لا نناقش الكبير حتى لو كان على خطأ وتعلمنا بأن نسمع الدرس من الأستاذ وكأنه آخر العلم تعلمنا الكثير من الأمور التي جعلتنا نخجل أن ندافع عن حقنا في لعبة سرقت منا حتى وصلنا إلى الحد الذي صرنا فيه نخجل ممن يسرق أوطاننا.
في الأمس ذهبت الى إحدى الدوائر الحكومية لإتمام معاملة تخصني قمت بتتبع سلسلة إجراءات العمل الخاصة بهذه المعاملة فوجدت بأنها قائمة على خمس او ست مراحل علما بانها لا تحتاج لاكثر من مرحلتين وبعدها اعود الى عملي دون الاضطرار الى تجاوز عدد ساعات المغادرة ، وكمواطن أغار على مؤسساتنا الحكومية وعلى عملي وعلى وقتي ايضا قمت بسؤال الموظف عن سبب كل هذه المراحل ولماذا لا يتم اختصارها فأجابني بصوت ممتعض ممزوج بـ “كترة الدخان” يا اخي “صرلي 16 سنة بهالشغل وهو هيك جاي حضرتك تغيرو” عندها توقفت عن التفكير وعدت الى ذلك المربع الأول وقلت له “انداري! قولتك”، وهكذا الصورة تبدأ صغيرة ومن ثم تكبر وتكبر إلى الحد الذي يصبح فيه الوطن بأكمله “صبة خضرة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى