جمال مبارك ينافس السيسي على رئاسة مصر

في تحرك مفاجئ وتوقيت غريب، دشن عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك صفحة بعنوان “حملة ترشيح جمال مبارك للرئاسة 2018″، وأطلقوا عدة هاشتاغات بعناوين: #الريس، #ادعم_جمال_مبارك، #جمال_مبارك_رئيساً، وذلك لدعم نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في انتخابات الرئاسة المقبلة، ما أثار تساؤلات حول الهدف منها.

وبينما رأى سياسيون ونشطاء أن الهدف من الحملة قد يكون “جسّ النبض” أو حرق أسماء معينة قبل انتخابات رئاسة 2018 على غرار ما جرى مع الراحل عمر سليمان نائب الرئيس الأسبق مبارك، استغرب آخرون أن تنطلق حملة ترشيح نجل مبارك من السوشيال ميديا التي أسقطت “مبارك الأب” في 2011.

واعتبر البعض أن جمال مبارك هو بديل لأحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق الذي كان مدعوماً من كثير من أنصار مبارك، والذي تم رفع حظر دخوله لمصر بوساطة إماراتية بعد أن أعلن أنه لا ينوي الترشح للرئاسة.

الصفحة تم تدشينها بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ووصل عدد المعجبين بها والمتفاعلين معها إلى 23 ألفاً و876 متابعاً في شهر، ثم ارتفع إلى 75 ألفاً و800 شخص حتى كتابة تاريخ هذا التقرير في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016 (قرابة شهر ونصف الشهر).

وحاول أدمن الصفحة دغدغة مشاعر المصريين المحتقنة مما يجري حالياً من ارتفاع للأسعار وتدهور اقتصادي وسياسي، بعبارات مثل: “أنا مقدرش أشيل الدعم وأغلى الأسعار على المواطن الغلبان”، منسوبة إلى الرئيس حسني مبارك.

ولكن اللافت أنه كانت محاولة لتقديم جمال باعتباره مدنياً رغم أنه ينظر له أن وريث مبارك الأب الذي كان قائداً عسكرياً، فتحدث البعض عن جمال قائلاً و”حاربوه لأنه كان مدنياً ولم يلتحق بالكلية الحربية”.

وقال أحد أنصار جمال : “ليس لدينا أي ميول سياسية لأي حد إحنا زينا زيكم بالضبط عايشين معاكم في بلد واحده، إحنا عاوزين الشخص اللي يقدر يدير البلد صح، ومن حق أي مواطن يترشح والصندوق هو اللي بيحدد وجمال مش أي شخص جمال معاه خبرة السنين”.

وبدا أن الحملة تحاول النأي بجمال مبارك عن النظام السابق وتتحدث عن أن ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 قامت ضد تجاوزات الشرطة، متجاهلة أن أحد أسباب الثورة التخوفات مما وصف بمشروع التوريث.

برنامج “جمال مبارك” الرئاسي

ونقلت الصفحة ملامح لبرنامج نجل الرئيس الأسبق لخوض انتخابات الرئاسة 2018، مشيرة إلى أنه سيسير على خطى أبيه بعدم المساس بالدعم وعدم رفع الأسعار، مستعينة بكلمات “مبارك” التي قال فيها: “أنا مقدرش أشيل الدعم.. وأغلي الأسعار على المواطن الغلبان مش هيقدر ياكل ولا يشرب ولا يلبس”.

وأشادت الصفحة بجمال مبارك، واعتبرته واحداً من الشعب؛ بسبب ظهوره في عدة مناسبات دون تأمين ولا يخشى الاغتيال، ويظهر في حفلات رسمية غير محمية أمنياً؛ من أجل ابنته ودعمها نفسياً أمام زملائها.

وتابعت الصفحة قائلة: “مؤشر واضح على أن من احترم الثورة يمشي آمناً، فمَن سيغتال فرداً في نظام انصاع لأوامر الشعب وانسحب من على طاولة الحكم وانتظر العقاب؟ وعلى الجانب الآخر، لو كان مبارك الابن تمسك بالكرسي لكان محاطاً بحراسة”، حسبما جاء في الصفحة.

وقال مشرف الصفحة في منشور له: “لا تندهشوا من مطلبي بدعم جمال مبارك لتوليه الحكم.. فإذا رجعتم للوراء فستتذكرون أن ثورة 25 يناير لم تقم على أساس الإطاحة بالرئيس مبارك؛ ولكنها قامت في الأساس بسبب غضب الشعب من تجاوزات الشرطة ووزارة الداخلية، ولكن حقناً للدماء قام مبارك بالتنحي من منصبه وإسناده حكم الدولة إلى المجلس العسكري”.

رغم ذلك، ترك مشرف الصفحة بعض التعليقات التي تتهم مبارك بتخريب البلد، وتنتقد بشدةٍ العودة للحديث عن ترشح جمال للرئاسة. “مبارك هو من أفسد، وأهلك الحرث والنسل والزرع. مبارك خائن، ولم يفسد أحد فى تاريخ مصر مثلما أفسد مبارك. حصاد الأمراض هو مبارك، حصاد الفقر والبطالة والجهل والمرض هو مبارك. حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا مبارك انت واللى معاك يا رب العالمين انتقم منه هو ورجاله”.

لماذا الآن؟

وتعيد هذه الحملة للأذهان واقعة مشابهة حدثت في سبتمبر/أيلول 2010، وقبل 3 أشهر من ثورة يناير 2011 التي أطاحت بمبارك، ظهرت حملة “غامضة” لترشيح عمر سليمان رئيساً لمصر، لتضيف غموضاً أكثر حول من سيخلف مبارك وما إذا كان سيعيد ترشيح نفسه، على غرار ما يحدث الآن بشأن بديل السيسي أو إعادة ترشيح نفسه.

وكشف مسؤول أمني كبير سابق لـ”هافينغتون بوست عربي” أنه سأل عمر سليمان حينئذ عن هذه الحملة فنفى له علاقته بها، واستغربها، وقال إن الرئيس مبارك لفت نظره لها، وأنه محرَج من هذه الملصقات التي لا يعلم عنها شيئاً.

وحملت اللافتات حينئذ عبارات “البديل الحقيقي عمر سليمان رئيساً للجمهورية”، و”لا جمال ولا إخوان عايزين عمر سليمان”، وفسره سياسيون حينئذ بأن “هناك صراعاً قائماً داخل النظام بين مؤيدي التوريث لرئيس مدني والرافضين المطالبين برئيس عسكري هو عمر سليمان”.

حرق المرشحين

“أعتقد أن مَن وراء الحملة يلقون أسماء لكي تُحرق ثم سيعلنون بعد ذلك عن مرشحهم، وأعتقد أنه سيكون مصطفى حجازي”، هكذا تفسر د.هالة البناي عضو الفريق الرئاسي 2018، للعالم المصري عصام حجي، حملة جمال مبارك لـ”هافينغتون بوست عربي”.

ورأت البناي أن طرح اسم جمال مبارك، ضمن أسماء أخرى الآن هدفه حرق هذه الأسماء، وإثارة حملة انتقادات مضادة لهم، على غرار ما حدث أيام حكم حسني مبارك عندما ظهرت ملصقات مجهولة تدعو لترشيح عمر سليمان رئيساً.

وهو ما يؤكده ضمناً أستاذ قانون بجامعة القاهرة بقوله: “إن حملة ترشيح جمال مبارك هي استكمال ديكور فقط في انتخابات 2018، أي جزء من الديكور، وهذا لا صلة له بالشخص (في إشارة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي)، ولكن بالمؤسسة الحاكمة التي لها منطق ومصالح، وهي الدولة أو القوات المسلحة، كما وصفها السيسي (القوات المسلحة هي الدولة)”.

ويضيف أستاذ قانون، الذي رفض الإشارة إلى اسمه لـ”هافينغتون بوست عربي”؛ خشية توقيع عقوبة جامعية عليه بسبب هذا الرأي: “المرشح المقبل في عام 2018 سيكون عسكرياً، وغير وارد تغيير هذا في ظل الظروف المحلية والدولية الحالية، وهدف حملة ترشيح جمال مبارك هو إكمال الصورة، ولكن الوضع لن يتغير كثيراً”.

لا يمكنه الترشح أصلاً

في المقابل، يستغرب الدكتور صفي الدين خربوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الشباب الأسبق في عهد مبارك، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني “المنحل” التي كان يترأسها جمال مبارك، الحديث عن ترشيح نجل الرئيس الأسبق لانتخابات رئاسة 2018 بينما صدر ضده حكم قضائي نهائي في قضية القصور الرئاسية يعتبر من القضايا المخلة بالشرف التي لا يجوز للمحكوم عليه بها أن يترشح لأي منصب سياسي أو يشارك حتى في الانتخابات بالتصويت.

“قانوناًن ليس من حقه الترشح؛ لأن القانون يمنعه بسبب العقوبة النهائية المخلة بالشرف والتي لا تُرفع إلا بعد 5 سنوات، والتقدم بطلب للمحكمة، التي قد تقبل وتصدر حكم رد الاعتبار له أو ترفض”، هكذا يؤكد د. خربوش.

ويضيف: “هذا يعني انتهاء العقوبة المخلة بالشرف عام 2021، أي بعد انتخابات الرئاسة 2018، وهو شرط مانع فكيف يثار هذا الأمر؟!”.

وبعيداً عن المانع القانوني، يرى الوزير السابق في عهد مبارك أن هدف من طرحوا هذا الترشيح إما أنهم “ناس يحبون جمال مبارك مثل (آسفين يا ريس)، أو يكرهونه، أو بهدف حرقه، أو قد يكون نوعاً من المكايدة السياسية للسيسي”.

وفي 22 ديسمبر 2016، أيدت محكمة جنايات جنوب القاهرة، قراراً جديداً لجهاز الكسب غير المشروع الصادر في عام 2011، بمنع الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأسرته (زوجته وأولاده وأحفاده وزوجات أولاده) من التصرف في أموالهم السائلة والمنقولة والعقارية والشركات المملوكة لهم، وذلك بعد رفض التظلم المقدم من شقيق سوزان مبارك قرينة مبارك، على قرار التحفظ على أموالهم.

وتضمن منطوق المحكمة: “رفض التظلم المقدم من المتهم، وتأييد قرار منع مبارك وزوجته وعائلتهما من التصرف في أموالهم الصادر في عام 2011”.

وهو نفس ما يؤكده الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري، الذي قال “جمال مبارك حصل على حكم في جناية مخلة بالشرف، وليس من حقه الترشح للانتخابات، ولا للأحزاب السياسية، ولا يمكنه أن يمارس أياً من الحقوق السياسية، قبل رفع العقوبة”.

أيضاً يؤكد السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية السابق والقيادي بحزب التيار الشعبي، أنه “من الناحية الدستورية والقانونية، جمال مبارك غير مسموح له بالترشح قانونياً على أي مقعد أو خدمة عامة، إلا إذا قام النظام برد اعتباره بشكل قاطع من خلال العفو عنه في العقوبات التي وقعت عليه”.

وانتقد رئيس تحرير صحيفة “المصريون” جمال سلطان الذين يترحمون على حكم عائلة مبارك قائلاً: “للذين يترحمون على أيام مبارك والسيادة، مصر وقتها كانت تصدّر الطوب والأسمنت لبناء المستوطنات في إسرائيل، وليفني أعلنت العدوان على غزة من قصره”.

وانتشرت حسابات ساخرة باسم جمال مبارك على غرار الحساب الساخر باسم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ويقول أحد هذه الحسابات على لسان لجمال مبارك، تعليقاً على الدعوات الرافضة لترشيحه: “يعني لو كنت دلوقتي الرئيس جمال حسني مبارك كنت هعمل فيكو إيه أكتر من اللي عمله السيسي؟”.

يذكر أن جمال مبارك وشقيقه علاء غادرا سجن طرة في يناير 2015، بعد 4 أعوام من الحبس، تنفيذاً لقرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيلهما، في آخر قضية كانا محبوسيْن على ذمتهما، وهي الاستيلاء على أموال الموازنة العامة لرئاسة الجمهورية، والمعروفة باسم قضية “قصور الرئاسة”.

ومنذ إخلاء سبيلهما، يظهر جمال بين الحين والآخر، ما يثير تساؤلات عن إمكانية عودته للحياة السياسية مرة أخرى، وفي بعض المناسبات تدافع مصريون من أجل التقاط صور معهما في مطاعم شهيرة واحتفالات بالأوبرا.

لا لترشيح جمال مبارك

في المقابل، دشن نشطاء اليوم (الأحد) 25 ديسمبر 2016، حملة مضادة بعنوان “ضد ترشيح جمال مبارك للرئاسة 2018″، حظيت بدعم قرابة 1000 متابع خلال ساعتين.

وتساءل أدمن الصفحة: “هنعيد من الأول؟ واللي استشهدوا أو أصيبوا في 25 يناير واللى اتعذبوا في السجون والمعتقلات في عهد حسني ومرسي والسيسي حقهم مش هييجي؟ أنا مش عايز لايكات أنا عايز الصفحة دي واللي زيها تتقفل”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى