كيمياء الحب في تأبين محمود الحموري!

كيمياء الحب في تأبين محمود الحموري!
د. مفضي المومني

كنا على موعد عصر هذا اليوم في بيت الثقافة في اربد، بحفل تأبين المرحوم الأستاذ الدكتور محمود الحموري، أستاذ الكيمياء في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ، المفكر والمثقف والكاتب، والذي نظمته مؤسسة إعمار إربد ومحبي الفقيد الذي رحل بهدوء حده الوجع قبل اربعين يوماً ، واكتب عنه وعن ساعتين استغرقها حفل التأبين، امتزجت بكيمياء الحب والحزن والثقافة والدمع، الذي انحبس تارة، وانسكب تارة، من عيون الحاضرين والمتحدثين.
في زمن التملق والتشدق والنفاق، وانغلاق الأفق، وتسيد الكاذبين والخانعين، والفاسدين للمشهد العام، وجموح الإحباطات بأن الزمن غير الزمن، وأن بذرة الخير لم تعد تنمو، أطل علينا طيف الراحل محمود الحموري أبن بيت راس الأبية من مرقده الأبدي، ليقول لنا على لسان المتحدثين من اصحابٍ ومعارف، أجادوا الوصف وابكونا معهم، أن الأخلاق والعمل المخلص وحسن السيرة والسجية هي التركة الحقيقية لنا جميعا، فلا المال ولا الجاه ولا مال السحت والحرام والمناصب، قادرة على إستجرار لمحة حب خالصة مجردة مثلما حدث اليوم، اخلاق المرحوم وإرثه الثقافي وحضوره تسيد الموقف في مماته كما تسيده في حياته، شهد له الدحنون، وحارات بيت راس القديمة، وسيدات القمح، ورجال الأرض، وأحجار وصخر القرية القديمة، وتاريخها وهو من سمى بيت راس قرطبة حوران بما تحويه من مقام الخضر عليه السلام ومغارة الولي الصالح ابو النمل ومغارة الدولة وأم الغزلان، ومنتجع الوليد ودير القديسة هيلانه وبركة السوكران وبركة النبيذ هوى امرؤ القيس وحسان ابن ثابت وملتقى الشعراء اصحاب المعلقات، ومنتجع حبة الرمان وسرداب الرومان والمدرج الروماني وسوق الاجداد وميادين الفروسية وبيدر دار مطر وغيرها من الشواهد التاريخية لبيت رأس، مثلما أرَخ لأعلام بلدته بذواتهم واعمالهم وتاريخهم وابداعاتهم، محمود الحموري سطر وأرخ لحضارة وإرث وثقافة فسبر عمق التاريخ وبعث حضارات عريقة وسخرها في كتاباته ليخلدها ويسقطها على زمن الخيبات، منتقدا بأدب وموجها بدماثة وخلق، محمود الحموري تشدك مناجاته لأمه التي اسماها سيدة بابور الطحين ووالده القروي الذي خلف جيلا من الابناء الأعلام واحتمل بعدهم وسفرهم ، محمود الحموري اغرقتنا ببحر من الدموع مرة حين رحلت واليوم ونحن نئبنك، اليوم اثبت ان الحب يذيب كمياء الارواح ويجمعها حين يكون العنوان انت، بخلقك ودماثتك ونبلك وطهرك، وإرثك الثقافي والأكاديمي، اليوم بكاك الجميع بقلوب بيضاء نقية ليس فيها للتزلف والنفاق مكان، كل من شاركوا حضروا حباً لك فقط، وعشقاً لإربد وبيت راس وحبا لعائلتك التي أنت امتدادٌ لسجاياها.
أقول لكل من له أمر أو شأن في بلدي، أقول لكل من خانته وطنيته ذات ضعف او جهل، ولكل من سرق المال العام ولكل من جمع ماله وجاهه بالكذب والنفاق والحرام، تأسوا بمحمود الحموري وتمثلوه، عندما تغادروا هذه الدنيا لن تجدوا من يترحم عليكم، ستذهبون إلى مزابل التاريخ محملين بالإثم والخزي والعار، وحدهم الطيبون أبناء الأرض وفوح ريحانها، وسنابل قمحها، وعناقيد عنبها، وصهيل خيلها، وشيحها وقيصومها، وفرح أطفالها وزغاريد نسائها ومناجاة شيوخها، وحدهم الطيبون أمثال محمود الحموري يُذكرون باحرف من نور، وتذرف الدموع عليهم حزنا وفقداً، وحدهم الباقون في ذاكرة المجد والأوطان والزمان، لروحك في علياء السموات الرحمة أستاذنا المرحوم محمود الحموري، وللوطن العزاء والرثاء… حمى الله الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى