سواليف
لم يكن #القمر يوماً مجرد #جرم #سماوي يضيء سماءنا فحسب، فهناك العديد من الطرق التي يشكل بها القمر مسار الحياة على الأرض، ويؤثر في دورات حياة العديد من الكائنات الحية، فما هو القمر؟ وكيف يؤثر في الحياة على الأرض؟
بعض خصائص القمر
يعتبر القمر التابع الوحيد لكوكب #الأرض، وأقرب الأجرام السماوية إليها، حيث يبلغ متوسط بعده عنا 384,400 كم. وهو أصغر من الأرض بمقدار الربع تقريباً، حيث يبلغ حجم القمر 27% من حجم الأرض.
يمتلك القمر غلاف جوي رقيق يتكون من عدة غازات، وتبلغ درجة حرارة سطح القمر على الجهة المقابلة للشمس 130 درجة مئوية، أما الوجه غير المقابل للشمس فتنخفض درجة حرارته إلى 173 درجة تحت الصفر المئوي. ويُعرف القمر بجاذبية أقل من جاذبية الأرض بمقدار السدس، أي أن وزن الأجسام يقل بمقدار السدس على سطح القمر.
تأثير القمر على الأرض والانسان
1- المد والجزر: تؤثر جاذبية القمر التي تعادل سدس جاذبية الأرض على مياه المسطحات المائية من خلال ظاهرة المد والجزر، حيث ترتفع مياه البحار والمحيطات أثناء المد بشكل مؤقت نحو المناطق الساحلية، إضافة لعامل قوة الطرد المركزية لدوران كوكب الأرض، الذي يدفع بالمياه إلى الأطراف.
وعند الجزر يتراجع مستوى مياه البحار والمحيطات عن المناطق الساحلية لمستوى أقل من المستوى العادي، نتيجة لوجود القمر في النقطة الأبعد له عن الأرض، وبالتالي انخفاض تأثير جاذبيته.
وظاهرة المد والجزر تساهم في حركة التيارات البحرية التي تساعد على نقل الطاقة الحرارية من خط الاستواء الى منطقة القطبين، مما أدى الى لعب دور مهم في تعاقب العصور الجليدية وتراجعها، وفي هجرات الكائنات الحية الحيوانية والنباتية على سطح الأرض، وساعد بالتالي على تنوع الحياة وتطورها.
2- طول الأيام: تؤثر جاذبية القمر على تنظيم سرعة دوران الأرض حول نفسها، وهذا يؤثر على عدد ساعات اليوم، حيث انخفضت سرعة دوران الأرض تدريجياً منذ نشأتها بسبب جاذبية القمر، وازداد عدد ساعات اليوم على الأرض من 5 ساعات إلى 24 ساعة.
3- ميلان محور الأرض وتشكل الفصول: تساهم جاذبية القمر في استقرار ميل محور الأرض، والذي يميل بزاوية مقدارها 23.4 درجة تقريبا، وهذا بدوره يساعد في امتلاك الأرض لمناخ متعدد الفصول ومستقر، ولولا وجود القمر لاستمر محور الأرض بالتمايل.
4- تحديد بداية الشهور القمرية ونهايتها: يعتمد الإنسان أيضاً على القمر وأطوارهفي معرفة بداية الأشهر القمرية ونهايتها، حيث يبدأ الشهر القمري في اليوم الذي يولد فيه الهلال، ولذلك أهمية خاصة عند المسلمين في تحديد بداية الأشهر المتعلقة بعبادة الصوم في شهر رمضان المبارك وعيد الفطر السعيد، وعبادة الحج في شهر ذو الحجة.
كيف يؤثر القمر في الحياة على الأرض
يؤثر القمر على الأرض بثلاث طرق رئيسية: الوقت والمد والجزر والضوء، فالعديد من الحيوانات والطيور تعتمد على القمر ومراحله في توقيت الهجرة والتكاثر، وهناك أمور عديدة على الأرض تتأثر بالمد والجزر، بالإضافة إلى الخصائص الفريدة لضوء القمر.
الساعة القمرية وتأثير مراحل القمر على حياة الكائنات الحية
تمتلك الكائنات الحية ساعة بيولوجية تتأثر بتعاقب النهار والليل الذي يحدث بسبب دوران الأرض حول نفسها بالنسبة للشمس، وقد تضطرب الساعة البيولوجية عند الإنسان بسهولة بعد الانتقال عبر الرحلات الجوية الطويلة أو عند تغيير الساعات.
ولكن هناك أيضًا ساعة بيولوجية مرتبطة بالدورات والمراحل القمرية، والتي لها تأثيرات على أنواع مختلفة من الكائنات الحية، حيث تستجيب بعض الحيوانات للساعة القمرية بالإضافة إلى الإيقاع اليومي لتعاقب الليل والنهار، وفيما يلي بعض الأمثلة على هذه الكائنات الحية:
- المفصليات
يعيش الطلتروس القافز (Talitrus saltator) تحت رمال الشاطئ في الواجهة البحرية، وتمتلك هذه الحيوانات المفصلية نوعين من أدوات الاستشعار التي تساعدها على التنقل في الاتجاه الصحيح بين الشاطئ والبحر، أحدها بوصلة شمسية موجودة في منطقة الدماغ، وبوصلة قمرية موجودة في قرون الاستشعار، وبذلك تعرف أن عليها البقاء مدفونة تحت الرمال أثناء النهار (كي لا تتعرض لشمس النهار وتجف)، وفي الليل تخرج لتناول الطعام عند انخفاض المد.
- الشعاب المرجانية
كما يحدث التبويض الجماعي للشعاب المرجانية على الحاجز المرجاني العظيم اعتماداً على القمر، حيث يطلق المرجان مليارات البويضات والحيوانات المنوية في البحر حتى يحدث التلقيح، ويعتمد توقيت تكاثر الشعاب المرجانية على عدة عوامل، بما في ذلك درجة الحرارة والملوحة وتوافر الطعام، لكنها تحدث دائمًا بين أكتوبر وديسمبر وبعد اكتمال القمر مباشرة.
- الطيور وتوقيت الهجرة
العديد من الطيور توقت هجرتها قبل وبعد التكاثر حسب طول اليوم، مثل طائر باراو (Pterodroma baraui) هو طائر بحري مهدد بالانقراض يتكاثر في جزيرة ريونيون في المحيط الهندي، إذ تنتظر هذه الطيور مرور 12.5 ساعة قبل الانطلاق.
وتختلف تواريخ وصولها إلى مناطق التكاثر كل عام، لكن الطيور تصل دائمًا معًا عند اكتمال القمر. يشير هذا إلى أن الطيور تستخدم القمر وطول اليوم لمزامنة هجراتها.
تأثير المد والجزر على حياة الكائنات الحية
ربما يكون المد والجزر هو التأثير الأكثر ملاحظة لتأثير القمر على الأرض، وقد تكيفت الحيوانات التي تعيش في الموائل الساحلية ذات نطاقات المد والجزر العالية مع هذه التغيرات، فحيوان البطلينوس مثلا، تتقلب حياته بأن يكون ساعة فوق الماء معرضًا للحيوانات المفترسة على الشاطئ والرياح والحرارة، وساعة أخرى يكون مغموراً بالكامل أو يتعرض لضربة الأمواج.
لذلك تطلب الأمر بعض التعديلات على هذه الحيوانات لتتمكن من البقاء على قيد الحياة، حيث طورت هذه الرخويات غلافا صلبا يغطيها ويحميها، ويستغل البطلينوس دورات المد والجزر للحصول على غذائه في وقت الجزر، عن طريق كشط الطعام من سطح الصخور بواسطة هيكل يشبه اللسان مغطى بمئات الأسنان الصغيرة (أسنان البطلينوس أقوى مادة بيولوجية تم اختبارها على الإطلاق، وهي أقوى بخمس مرات من حرير العنكبوت وأقوى حتى من المواد التي يصنعها الإنسان).
تأثير ضوء القمر على الحياة
تؤثر مستويات الضوء المتغير التي يعكسها القمر بطريقة مذهل على الحياة على الأرض. حيث أدت الإضاءة المنخفضة إلى عدد من التكيفات الليلية عند بعض الكائنات الحية، كما تعتمد بعض الكائنات الحية بشكل مباشر على ضوء القمر للتنقل والتكاثر.
النبات الذي تفرز “الدموع” تحت ضوء القمر الساطع
يُعرف نبات العلندى الأنثوية (Ephedra foeminea) أيضًا باسم شاي المورمون، وهو أحد نباتات البحر الأبيض المتوسط الرائعة ومجموعة النباتات القديمة الخالية من الأزهار التي تعتمد على الحشرات في التلقيح. ولأن هذا النبات لا يمتلك زهور أو رائحة جاذبة، طور تقنية غير عادية لجذب انتباه الحشرات الملقحة.
عند سطوع ضوء القمر، ينتج كل مخروط صغير قطرات من السائل للمساعدة في لصق حبوب اللقاح على الحشرات المارة. تتألق هذه القطرات تحت ضوء القمر، مما يخلق عرضًا متلألئًا يجذب الخنافس والحشرات الليلية الأخرى إلى النبات.
استخدام خنافس الروث ضوء القمر لتحديد الاتجاه
في إفريقيا، وتحت ضوء القمر، تستخدم خنفساء الروث (Scarabaeus zambesianus ) نمط الاستقطاب لضوء القمر والطريقة التي ينتشر بها عبر الغلاف الجوي للتنقل في خط مستقيم.
فإذا صادفت خنفساء الروث كومة روث جديدة، تأخذ كرة الروث وتتحرك في خط مستقيم بأسرع ما يمكن متوجهة إلى جحها، لأن اتباع مسار غير الخط المستقيم يطيل الطريق ويعرضها أكثر للحيوانات المفترسة، أو قد تفقد كرة الروث لصالح خنفساء أخرى.
في بحث حديث تم إجراؤه في مختبر في السويد، وضع العلماء خنافس الروث تحت ضوء اصطناعي غير مستقطب فتحركت على شكل دوائر، لذلك فهي تعتمد بشكل أساسي على أنماط الاستقطاب الخاصة بضوء القمر من أجل التنقل وتوجيه نفسها للوصول بأمان إلى بيتها.
هذا يعني أنه مع تزايد التلوث الضوئي في جميع أنحاء العالم، فإن الكائنات الحية ذات السلوكيات الليلية التي تعتمد على ضوء القمر، قد تتسبب مصادر الضوء الأخرى في اضطراب سلوكها وحياتها.