وراء الخبر

#وراء_الخبر

د. #هاشم_غرايبه

ورد في الأخبار أن قوات أمن سلطة رام الله قامت بتفكيك ثلاث عبوات ناسفة محلية التجهيز، زرعها المقاومون في بلدة “عزون” في الضفة الغربية، وكان قد جهزها شباب البلدة تحسبا لاقتحامات جيش العدو.
المؤلم في القصة أكثر، أن قوات العدو بعدها بقليل داهمت المنطقة وقامت بتفتيش المنازل ثم عادت بعد اعتقال عدد من الشباب.
هذه الحادثة، والكثير قبلها، تلزمنا بمراجعة الحسابات المؤجلة منذ زمن طويل، والمتعلقة بتأسيس السلطة الفلسطينية، بماذا نفعت وبماذا أضرت.
بعيدا عن التجييش العاطفي والخطابات الحماسية الجوفاء يجب أن نستعيد أولا قصة تأسيس منظمة التحرير، والتي تعود الى عام 1965 وأعلن عن تأسيسها في القاهرة، ليتبين مؤخرا وبعد الكشف عن مراسلات “الرئيس كينيدي” مع عبد الناصر، أنها جاءت استجابة لطلب أمريكا عام 64 لتأسيس كيان سياسي يمثل الفلسطينيين ويتحدث باسمهم في مفاوضات سلام لإنهاء القضية، وقد وجدت المخابرات المصرية أن أكثر مؤهل لقيادتها هو “ياسر عرفات” كونه كان يرأس اتحاد طلبة فلسطين في القاهرة، ونسبه ينتمي الى أسرة غير معروفة، فلا تثير حساسيات بين الأسر الفلسطينية الكبيرة، ولذلك لم يكن مفاجئا تأسيس “فتح” في العام نفسه، وتلاها منظمات مختلفة، برعاية أقطار عربية أخرى، انضمت الى منظمة التحرير، جميعها تأسست تحت الشعار البراق نفسه، تحرير الأرض من البحر الى النهر!.
بلا شك فالمجاهدون المخلصون والصادقون في وطنيتهم من الفلسطينيين والعرب جذبهم الشعار، فانضموا الى هذه المنظمات، وضغطوا على قياداتهم للقيام بعمليات فدائية حقيقية، وعلى قلتها فقد شكلت أرقا للكيان اللقيط ولحماته، لأنها ستعطي أملا بالتحرير عن طريق المقاومة المسلحة، وبالتالي ستفشل جهود إغلاق ملف القضية بالتسويف من خلال مفاوضات ما يسمى بالعملية السلمية.
فتجند الكيان بمساعدة مخابرات الغرب وبعض أجهزة المخابرات العربية الحليفة لها، لملاحقة المخلصين واغتيالهم أو محاصرة نشاطاتهم، الى أن استتب الأمر لدعاة عملية السلام، والتي بدأتها مصر، وكانت المحطة التالية منظمة التحرير، فانخرطت في مفاوضات سرية الى حين أنجزت الصفقة في أوسلو، فتأسس ما سمي بالسلطة الوطنية، التي أوهمت مواطني الضفة الغربية بأنها حققت لهم دولة لحمايتهم ورعاية شؤونهم، لكن سريعا ما انكشفت الحقيقة المرة، وأنها سلطتها لا تعدو سلطة المخاتير قديما، الذين لم يكن لهم صلاحيات إلا في الإبلاغ عن المطلوبين.
بدأ التنازل منذ البداية بلتخلي عن القدس وإقامة المقر في رام الله، وتوالت التنازلات الأخطر المخفية عن الناس، لكي تمرر خديعة ان السلطة مرحلة مؤقتة الى حين إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 ، لكن ها مرت أكثر من عشرين عاما، ولم نر هذ الدولة العتيدة، بل هي في كل عام تبتعد أكثر كما السراب للظمآن.
تم تزويد السلطة بقوة أمنية، قيل أنها لحفظ أمن مواطني المدن والبلدات في الضفة، وقد ساهمت أمريكا من خلال المنسق الخاص “كيث دايتون” بتأهيلها وتدريبها وفق العقيدة القتالية التي وضعتها لها، ولما ثبت التزام هذه القوات بما حدد لها زيدت حتى بلغت 45 ألف عنصر، لكن لأداء المهام الأساسية للسلطة وهي التنسيق الأمني، فقد زيد أكثر من تسعة أجهزة مخابراتية وأمنية بمقدار يزيد عن تعداد الشرطة، مما ينبئ عن الدور الحقيقي للسلطة، خاصة إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة هي التي تدفع رواتبهم.
بعد الطوفان وانكشاف عورات كل المتخاذلين، ساد الصمت قيادات أوسلو، فلم نر قوات أمن تهرع لنصرة المواطنين الذين يستغيثون من ويلات قطعان المستوطنين المحميين من جيش الاحتلال، رغم أنهم يتواجدون في المنطقة الواقعة تحت سلطتهم، ولا من المداهمات اليومية للمدن والبلدات التي هم مكلفون بموجب الاتفاقية بالمحافظة على أمنها، ليتبين حقية دور الأجهزة الأمنية للسلطة، وأنها ليست لحماية المواطنين من المعتدين عليهم، بل لحماية الكيان اللقيط فقط.
بعد كل ما سبق نستخلص أن هذه السلطة لو كان فيها خير للأمة ونفع للفلسطينيين، لما أقامها الكيان اللقيط، ولما مولها الغرب وأبقاها، دورها الوحيد كان التخدير لأجل تمرير ألعوبة العملية السلمية الى أن يتمدد الكيان اللقيط لتحقيق حلمه من الفرات الى النيل، وما الرواتب والأعطيات للمستثمرين من أزلامها إلا لقاء التجسس على المقاومين والمساعدة في القبض عليهم.. المسمى التنسيق الأمني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى