كشف المخفي

كشف المخفي
د. هاشم غرايبه

ما من شك أن أبالسة المحافظين الجدد من معتنقي المسيحية الصهيونية الذين يمسكون بزمام السلطة في أمريكا، ما من شك أنهم فوجئوا بحجم النجاح الذي حققته مسرحية “محاربة الإرهاب”، والتي اختاروها للتمويه على الحملة الصليبية الأخيرة التي شنت على العالم الإسلامي.
لكنهم ليسوا بتلك السذاجة ليدركوا أن انتصارهم في هذه الحملة نتيجة لتكتيكات عسكرية أو لتفوقهم التقني والنوعي في السلاح، فحروب من مثل هذا النوع لا تحسم نتيجتها قوة النيران من الجو، بل السيطرة على الأرض، وقد جربوا ذلك في أفغانستان والعراق وسوريا، وعرفوا أنه أمر مكلف جدا فوق أنه عبثي، إذ لا يمكن لجنودهم البقاء مفتحي العيون طوال الوقت في وسط سكان يكرهونهم، ويتحين المقاومون أية غفلة ليوقعوا بهم خسائر فادحة، لذلك ما إن مكنوا لعملائهم المحليين من استلام السلطة، حتى غادروها وهم يتلفتون خوفا، تاركين للأتباع المهمة الصعبة وهي التصدي لرافضي التبعية.
هم لا شك لم يتوقعوا ذلك الحماس الهائل من قبل كل الأنظمة العربية بلا استثناء للمشاركة في هذه الحرب الشرسة على ديار الإسلام، رغم أنهم مطمئنون الى ولائهم، لكن كانوا ينتظرون بعض الممانعة أو التردد من بعضهم، لأن عقيدة 90% من الشعوب الإسلام، لكن الحماس عند هذه الأنظمة لخوض هذه المعركة تحت قيادة أمريكا ضد مسلمين (بغض النظر عن صوابية معتقدهم او خطئه) أمر لا يمكن توقعه بهذه الحماسة.
لذلك لم يصدق أولئك الأبالسة ما يرونه على الواقع، فلم يحدث ذلك في أية أمة في التاريخ القديم ولا الحديث، لم يصدقوا عيونهم وهم يرون طائرات من المغرب ومصر والإمارات والأردن والعراق وسوريا تطلق نيرانها على أهداف في بلاد عربية حددتها لها القيادة الأمريكية، في حين أنها لم تطلق يوما طلقة واحدة على الكيان الذي يعتدي على الأمة يوميا ويعربد في أجواء عواصمها من غير أن يخشى أو يحذر التصدي له!.
حقا إن ذلك أمر مذهل..ويفوق أكثر خيالاتهم جموحاً!.
فهذا الذي حدث يفوق ما قام به ابن العلقمي أيام غزو المغول، وأبلغ ضررا من تحالف أمير دمشق مع الصليبيين ضد أخيه أمير حلب.
هل نصدق تبريرهم التافه بأنهم كانوا يخشون على العالم من الإرهاب الإسلامي؟.
هل يصدق ذو عقل أن هذه الجماعات الجهادية المحدودة التسليح والمحاصرة والتي لا تجرؤ دولة على دعمها أو حتى مناصرتها إعلاميا، هل حقا يمكنها أن ترعب العالم، الذي توحدت كل أجهزته الإستخبارية ولا تفلت من مراقبة أقماره الصناعية قطة!؟.
أم أن الأمر هو قلق من نشوء منهج الجهاد كوسيلة لتحرر الأمة من التبعية، والخوف من التوسع فيه، بعد أن ثبت أن الأنظمة متآمرة مع أعداء الأمة لإدامة هذا الحال، بنشر الفساد وحماية الكيان، مقابل إبقائها في كراسيها وإطلاق أيديها في النهب وجمع الثروات!؟.
لا شك أن ما حققه الغرب خلال القرن الماضي من تركيع الأمة، والإستحواذ على مقدراتها، لا شك أنه إنجاز له لن يفرط فيه، خاصة وأنه حققه بعد صراع دام ثلاثة عشر قرنا.
لذا فلا يمكن أن يسمح بعودة هذا المارد الجبار من جديد، خاصة وقد جرب في أفغانستان كيف تقلب الروح الجهادية هؤلاء المقاتلين البسطاء الى أسود ضارية، استطاعت إذلال القوة الثانية في العالم… فما الذي يحول دون توجههم بعدها الى القوة الأولى!؟.
ليست القوة الغربية الباغية هي التي تقلق، بل الأنظمة العربية التي تمشي في ركابها، من هنا كانت الشراكة الكاملة في تلك الحملة التي استهدفت استئصال الروح الجهادية قبل انتشارها.
لم يكن في وسع المتحالفين إظهار نواياهم فكانت الخطة دس عملاء هذه الأنظمة بينهم لتشويه صورة الجهاد، بالقيام بأعمال مشينة بين المدنيين، ثم أوجدوا كيانا ماديا سموه تزويرا الدولة الإسلامية، لكي يرسموا بأفعالها الشنيعة صورة مشوهة لما سيحدث لو قامت للإسلام دولة.
لا يمكن إنكار نجاح هذه الحملة بدليل بقاء الأنظمة المتحالفة معها،.. لكن الى متى؟.
الأنظمة الآن تخشى أن يتركها رعاتها الأوروبيون بعد أن حققوا ما أرادوا، لذلك نسمع نداءاتها بمواصلة الحرب على الإرهاب، فتعقد المؤتمرات كل يوم ولا تنفك من التخويف به..فيما هي الخائفة فعليا تترقب، وتخشى سوء المنقلب على يد شعوبها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى