كشف الخداع

كشف الخداع
د. هاشم غرايبه

في أعقاب توقيع مصر والأردن لاتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، أرادت أمريكا ترسيخ التطبيع لكي يتم تقبل الكيان اللقيط كدولة جارة، فأنشأت عام 1998 ما سمي: المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، وعي عبارة عن مدن صناعية أجنبية منحت تسهيلات من أجل إنشاء مصانع فيها معتمدة أمريكيا، من أجل تصدير البضائع إليها.
بالطبع كان حلما عند المصانع العربية أن تقبل منتجاتها في أمريكا، والتي وإن كانت تعلن أنها ليبرالية، أي تكفل حرية الإستيراد والتصدر، لكنها في واقع الأمر كانت تضع العراقيل دائما أمام استيراد السلع ذات المنشا العربي، فيما تقدم التسهيلات والدعم لتلك التي مصدرها الكيان اللقيط.
لكن ذلك الحلم ظل بعيد المنال، فقد اشترطت أمريكا لقبول منتجات هذه المناطق الصناعية في مصر والأردن أن يكون 15 % على الأقل من رأسمالها صهيونيا، وأن لا تقل مدخلات الإنتاج المشتراة من الكيان عن 8 % ، وأن يتم التصدير عن طريق شركة في الكيان، بمعنى أن تصدر عن طريق ميناء صهيوني.
لذلك لم هنالك حماس من الأردنيين لللإستثمار في هذه المناطق الصناعية إلا من ذوي النفوس المريضة، رغم التسهيلات الحكومية الهائلة، فهنالك إعفاء كامل من ضريبة الدخل وكل الرسوم الأخرى، ومن ضريبة المبيعات على مشترياتها المحلية، والرسوم الجمركية على مستورداتها، ومن ضريبة العقار والمسقفات على الأبنية…باختصار لم يكن هنالك من مردود مادي للخزينة، ما طمعت فيه الحكومة هو تشغيل العمال.
تبين فيما بعد أن الأمر كله خديعة تطبيعية، فبعد إنشاء هذه المناطق تم إقرار اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية، وألزمت كل الدول على الإنخراط فيها، وقبول شروطها بإزالة كل الرسوم الجمركية، وتقديم التسهيلات لانسياب البضائع استيرادا وتصديرا بلا عوائق حمائية للمنتجات المحلية، أي لم يعد هنالك من قيمة لتلك الميزة التفضيلية للبضائع المصنعة في مناطق (QIZ). قدمت الحكومة الأردنية عشرة مناطق مجهزة بالكامل ومخدومة بالبنى التحتية، وجاء مستثمرون من بلاد مختلفة وأسسوا فيها حوالي 85 مصنعا أغلبها في قطاع الملابس.
ولما كان النفع الوحيد المأمول منها، هو استيعاب نسبة من العاطلين عن العمل، إلا أن خيبة الأمل كانت كبيرة، عندما تبين أن حجم العمالة الأردنية فيها لم يزد على 15 %.
أغلب العاملين الأردنيين هم من قطاع الفتيات اللواتي ينتظرن منذ سنوات الدور للتوظيف في وظيفة حكومية، لذلك يقبلن بالعمل في هذه المصانع في ظروف قاسية وبالحد الأدنى من الأجور.
كانت الإتفاقية الحكومية مع المستثمرين تشترط أن لا يقل حجم العمالة الأردنية في مصانعهم عن 60 %، وبذريعة التدريب والتأهيل فقد قبلت الحكومة أن يتم احلال العمالة المحلية بالتدريج خلال ثلاث سنوات، لكن ها قد مرت عشرون عاما ونسبة العاملين الأردنيين في تناقص بدل أن تكون في تزايد، وذلك بسبب تقبل العمال الوافدين لأقل من الحد الأدنى من الأجور، فيما يطالب الأردني بالحد الأدنى والبالغ 220 دينارا شهريا (يقدر خط الفقر في الأردن 400 دينار شهرياً).
الآن تشغل هذه المصانع ما نسبته 85 % من عمالها بعمالة آسيوية تقبل أجورا زهيدة، وعندما حاولت الحكومة أن تضغط على أصحاب هذه المصانع بزيادة نسبة العمالة الأردنية كما كان متفقا عليه، هددت بالرحيل الى مصر.
الآن وقعت الحكومة الأردنية ضحية لاندفاعها في التطبيع، فتمارس المنظمات الدولية ضغوطات على الأردن، لأن المصانع تسيء معاملة العامل الوافد، فهو لا يتقاضى الحد الأدنى من الأجور بل 125 دينارا فقط، والباقي وهو 95 دينارا تحسب عليه منها 56 بدل سكن، و39 دينارا بدل طعام.
السكن غير صحي، ففي كل غرفة من 8 -10 عاملات، كما أن الوجبات التي تقدم لهم هزيلة وغير نظيفة، مما يجبر ساكنات كل غرفة عن جمع مبالغ لشراء طعام يطبخنه في السكن.
هكذا يقع من يطمئن الى النوم في حضن الضبع، يسلم أمره الى عدوه، لكن الدولة تعتمد في بقاء هذه المصانع في الأردن على بقاء وهم الجوز الفارغ، فقيمة صادرات هذه المصانع تبلغ حوالي مليار دينار سنويا، ورغم أن هذه الأموال لا تعود على الخزينة بنفع إلا أقل من 1 % ، إلا أنها تستفيد بان هذا المليار يعتبر صادرات أردنية تثقل موازين النمو الإقتصادي بنسب موهومة، تحسب نجاحا للسياسات الإقتصادية الفاشلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى