اجتماع التابع الوضيع و الوزير الشنيع / أحمد ابو بدر

اجتماع التابع الوضيع و الوزير الشنيع

كان جالساً و عيناه الزرقاوان تلمعان و يده تداعب خصلة من شعره الأشقر مثل لون بشرته فجأة استدعى الرئيس وزيره الشنيع و أمر بأن يأتي لديه في قصره الرئاسي في العاصمة التي كانت أجواؤها ما تزال تعبق ببرودة الشتاء المنصرم و الذي اعتاد أن يكون ضيفاً قاسياً عليها كل عام .
لم يتأخر الوزير الشنيع في تلبية طلب رئيسه فجاء في التو و اللحظة ملبياً داخلاً ببزته العسكرية الأنيقة و نظارته المنسدلة على أنفه الأفطس و وقار شيبه الذي اختلط بسواد شعره ,أدى التحية العسكرية و قال للرئيس : أنا في خدمتك سيدي و في خدمة بلادنا العظيمة مترامية الأطراف في أي وقت تشاء , رد الرئيس التحية و قال له: لعلك سمعت ما تفوه به تابعنا الوضيع من تصريحات تنم عن قلة حيلته و هوان أمره بعدما خفضنا من تعداد جيشنا في بلده في وقت كان يطمع فيه أن نتغلغل أكثر في بحر الدماء الذي صنعه ليبعد كرسيه عن خطر الإطاحة به ظناً منه أن مكانته لدينا قد زادت قليلاً و قد أرسل لنا عبر رجله السمين المريض يطلب لقاء رئيس هيئة الأركان و قائد الجيش ليحثهما على التريث قليلاً قبل تقليل عديد جنودنا على أرضه مستجدياً منهما التفكير مرة أُخرى في القرار المتخذ و العدول عنه و كأنهما لا شأن لهما سوى التفرغ له و لمطالبه الصبيانية !!لا أدري أين يختفي دماغه الأحمق في ثنايا جسمه فارع الطول حينما يطلب مني ما يطلب ؟؟ أيظن أننا نعمل عنده؟
بدت ابتسامة صفراء على وجه الوزير الشنيع و أنصت مكملاً سماع رئيسه و هو يكمل حديثه قائلاً :لكننا لا نستطيع التخلي عنه فهو سيبقى تابعاً لنا نتحكم به كيف نشاء لتمرير مصالحنا و سطوتنا و نفوذنا ولن نجد أحداً أكثر طاعة لنا منه, لذلك قررت أن تكون أنت من يذهب للقائه في أرضه و اصطحب معك نائبك ليكون عوناً لك في رؤية ما يستلزم جنودنا و قواعدنا في ذلك البلد البعيد عنا من تجهيزات و ذخائر و عتاد و غيرها لتعزيز التنسيق على الجبهات المشتعلة هناك, إنني أعتمد عليك في أن تجعل هذا التابع يعرف مستواه لدينا و تظهر له حجمه الحقيقي الذي غاب عن ذهنه لبرهة من الزمن و أنا بدوري سأخفي نبأ قدومك إليه لتكون زيارتك له مباغتة لعنجهيته المصطنعة.
هز الوزير الشنيع رأسه موافقاً و قال : أنا جاهز لتنفيذ ما تريده مني سيدي الرئيس .ثم غادر لكي يجهز نفسه للقاء التابع الوضيع فالسفر إلى تلك البلاد المشتعلة بالدمار ليل نهار متعب و طويل و لا يخلو من الصعوبة و الأخطار فرغم وجود قواته على الأرض و تمركز باخرة حربية له في ساحل البحر هناك مع وجود قواعد جوية تؤمن التفوق الجوي لقواته على الأرض إلا أن بعض الإرهابيين في وجهة نظره من أبناء تلك البلاد يصرون على جلب المشاكل و القلاقل و التهديدات لقواته و لحلفائهم في سبيل تحررهم من الذل و الظلم الذي فرضه عليهم نظام التابع الوضيع و أبوه قرابة نصف قرن من الزمن و لن يهدأ لهم بال حتى يتمكنوا من خلع التابع الوضيع إلى غير رجعة و هو ما لا يرضاه الرئيس الأشقر ولا حلفاؤه من أصحاب العمائم و أصحاب العيون الصغيرة, تبرمت شفتا الوزير الشنيع و هو يفكر في المعضلة المعقدة التي تواجهه هناك حيث لم يسبق له أن عاصر مشكلة معقدة من شتى الأطراف بحجم هذه المشكلة المتعلقة بالبلد الذي سيتوجه له رغم طول خبرته و سابق تجاربه في حل مشاكل مماثلة في أكثر من موقع عبر أصقاع المعمورة إلا أن موضوع تلك البلاد التي سيسافر إليها بدا بالنسبة له كأحجية مبعثرة القطع و أكثر تلك القطع مفقودة فمن أين سيأتي بالحل إذن , حتى الوزير الشنيع و رئيسه الأشقر و جميع حلفائهم في المنطقة لا يعرفون من أين !.
في تلك الأثناء كان التابع الوضيع ينهمك في وضع المشهد النهائي لكلامه الذي سيقوله لضيفيه المتوقعين بحسب ما طلب حال قدومهما وافدين عليه بعد أن يوافقا أولاً على القدوم لبلاده فهو لا يحسن إطلاقاً ارتجال الكلام و لو حتى تعبيراً عما يجيش في صدره من مشاعر بل حتى في بعض المواقف العفوية العابرة به يحس الذين من حوله بأنه لا يكاد يُبين! لكنهم بالطبع لا يقولون ذلك له خوفاً على أعناقهم و مكانتهم لديه فهم أيضاً بحاجة لدوام طغيانه و جبروته حتى ينالوا نصيباً من كعكة الفساد في ذلك البلد المبتلى بفساد من يحكمونه من بضع عائلات تنحدر من طائفة لا تشكل فيه سوى نسبة بسيطة من سكانه لكنهم يتحكمون في جميع مقدرات تلك البلاد بالنار و بالحديد.
على حين غرة طرق الباب قائد حرس التابع الوضيع و في وجلٍ سأله التابع الوضيع عن سبب قدومه فأجابه قائلاً:عذراً سيدي فلقد تناهى لمسامعنا هذا اليوم وصول شخصيةٍ بارزةٍ من بلاد الرئيس الأشقر حليفنا الأعظم و لعل تلك الشخصية في الطريق إلينا الآن و إن لم تخِب توقعاتي فأظنه في الطريق لقصركم و سيكون بعد قليلٍ بيننا.
وجم التابع الوضيع للحظات قائلاً: أبهذه السرعة !!؟ لن أتمكن من استدعاء أحدٍ من و زرائي أو حتى قادة الجيش لدي ولكن مالهذا التصرف من ضرورة فهُم مجرد مناظرَ و لوحاتٍ للبروتكولات في التشريفات و المراسم و ليس بمقدورهم اتخاذ أي قرار دون الرجوع إلي حتى فيما يخص حياتهم الشخصية فلا بأس إن لم يحضروا , و لم تخِب توقعات قائد الحرس فما هي إلا لحظات حتى تلقى مساعد قائد الحرس بالقرب منه اتصالاً يفيد بوصول الضيف, أوعز التابع الوضيع بسرعة للحراسات بتسهيل المأمورية للضيف ومن معه حتى يلتقيه داخل سرداب قصره و أصر هو أن يفتح الباب بنفسه تقديراً منه و عرفاناً لسرعة إجابة الطلب من حليفه الرئيس الأشقر.
ما إن فتح التابع الوضيع الباب حتى بدت أمارات الدهشة ترتسم على محياه فلا قائد جيش الدولة الحليفة و لا رئيس أركانها بل الوزير الشنيع بنفسه يقف أمامه استدرك ذهوله قائلاً : نحن مسرورون بالزيارة المفاجئة. فردَ عليه الوزير الشنيع باقتضاب: هذا تكتيكي الذي أضمن به حدوث ما أريد فالمباغتة معروفة عني منذ القدم و هي سلاح لا يضاهيه سلاح.هز التابع الوضيع برأسه داعيا الوزير الشنيع للدخول فلم يتردد في الدخول و الجلوس على كرسيه فوراً دونما الحاجة لأي انتظار لجلوس التابع الوضيع تبعاً للبروتكولات في مثل تلك المراسم .
جلس الوزير الشنيع على الطاولة مقابل التابع الوضيع الذي جلس كما الطالب بين يدي معلمه ليبدأ التابع الوضيع مرحباً بضيفه قائلاً : كنا قد طلبنا لقاء أحد القيادات العليا في جيش دولتكم الموقرة لنبدي له ملاحظاتنا و اقتراحاتنا حول الوضع العام في جبهات القتال المختلفة في البلد و لم أتوقع قدومكم إلى هنا شخصياً .رد الوزير الشنيع باقتضاب: لكنني لم آتي هنا لأبحث معك ما جرى بل أتيت لأعطيك خطةً حول ما سيجري مستقبلاً . بلع التابع الوضيع ريقه مندهشاً من حدة الجواب و لكنه ما لبث أن قال:حسناً لا اعتراض على ذلك و لكن أليس من الضروري تقييم ما حدث لأخذ الدروس و استخلاص العبر و لكي يعيننا ذلك على التخطيط للمستقبل بشكل أفضل . عاجله الوزير الشنيع بحدة قائلاً : قد فعلت ذلك قبل المجيء إلى هنا و لست بصدد إعادة النقاش في شيء فعلته سابقاً فحديثي الآن يدور حول المستقبل و ليس الماضي.
أدرك التابع الوضيع أن كلامه المنمق هنا لن يجدي نفعاً و لم تنفعه الاستعدادات التي كان يعكف عليها ليلاقي بها ضيفيه اللذين لم يأتيا أبداً بل وجد نفسه أمام شخص حاسم في قوله لا يقبل الجدال و لا النقاش إنما هو أسلوب التعليمات فقط نفذ و لا تناقش و إزاء هذا الوضع وجد التابع الوضيع مضطراً لأن يترك الوزير الشنيع يكمل درسه إلى النهاية بينما يقوم هو بالاستماع مع الاحتفاظ بحق السؤال إن سمح له الوزير الشنيع بذلك فالخيار في أي مرحلة من مراحل الحوار الآن ليس له بل يتحكم به الوزير الشنيع كيفما شاء و أراد و ليس ذلك بغريب على التابع الوضيع فهو لطالما أتقن هذا الدور خصوصاً في السنوات الأخيرة من حكمه و التي ضجت بلاده فيها من ظلم و فساد الطغمة الحاكمة فيها و كان هو و أخوه العسكري الفظ القاسي أبرز رموز الطغيان و الدمار في ذلك البلد الذي عاث فيه الطامعون و الناهبون من طائفته الفساد فيه براً و بحراً و جواً.
واصل الوزير الشنيع كلامه قائلاً : ليس هناك كثير من الوقت لأضيعه هنا فهناك قاعدة جوية يجب أن أطمئن على تحصيناتها و جهوزية جنودنا فيها كما أريد أن أطمئن على مدى سلامة جنودنا و مقدار معنوياتهم المرتفعة فالجندي الذي تنهار معنوياته مكانه الوحيد لدينا هو القبر. قالها و هو يرمق التابع الوضيع بنظرة حادة, أردف التابع الوضيع مؤكداً بقوله :نعم صحيح ما تقوله و قد بذلنا كل ما بوسعنا للتسرية و الترفيه عن جنودكم و تعويض غربتهم و بعدهم عن بلادهم فلم نقصر معهم في أي شيء أبداً بل أننا أعطيناهم متعةً لا أدري إن كانوا يجدونها في بلادهم أصلاً بتلك الوفرة أم لا. قاطعه الوزير الشنيع : ذلك ثمن مستحق و ليس فضلاً و لا منةً منكم فأنت تعلم جيداً مدى حاجتكم لنا و لجيشنا العظيم فقد حمينا في السابق والدك و دعمناه وكان مجيداً بارعاً في سياسة دفع الثمن و الاعتراف بالجميل و لكنني لا أراك تجيد ذلك مثله رغم أننا لم نقصر معك أيضاً فما بال تصريحاتك العجفاء نحو سياسة دولتنا العظيمة تتوالى بنفس الوتيرة ؟ هل تريد من جنودنا أن يدخلوا لساحات حرب عجز جيشك و من اصطحبهم من مرتزقة جلبهم من دول الجوار المماثلة لك بالمذهب أن يفكروا مجرد التفكير في دخولها ؟ ألا يكفي أن جنودنا يضحون بوقتهم الثمين و جهدهم الشاق في سبيل تعزيز موقفكم على الأرض رغم أن بعضهم لم يقتنع أصلاً بالقدوم إلى هنا و لم يدري أن وضع جيشكم منهار إلى درجة يعجز اللسان عن وصفها , ثم تأتي أنت و تطلق تصريحاتك خبط عشواء دون أن تدري أن قادة جيشك أنفسهم قد أسروا لنا أنهم سئموا من خطاباتك الجوفاء التي أصبحت مداراً للسخرية و النكات لدى سائر أفراد شعبك . أطرق التابع الوضيع رأسه خجلاً قائلاً : حاشا و كلا أن نستغني عنكم أو أن نشعر بالقوة و السيطرة دون دعمكم فأنتم حليفنا الأول و الأهم لكن تسارع الأحداث هنا على الأرض جعل الأمور تزداد تعقيداً فجثث الجنود القتلى من جيشنا و من حلفائنا المذهبيين قد ازدادت بحيث أصبحنا غير قادرين حتى على توفير الأكفان لهم من كثرة عدد القتلى و المصابين بينهم ,عداك على أننا لم نعد قادرين أن ندفع الكثير من التعويضات و الأجور لمقاتلينا مهما كانت خدمتهم و تضحيتهم مما أحبط معنويات الجنود و أثار سخط الموالين لنا , بل و وصل الأمر بجماهير حلفائنا المذهبيين بأن يطلبوا منهم بالتوقف عن الزج بأبنائهم في أتون هذه المحرقة اللاهبة فهم لا يريدون توافد المزيد من التوابيت عليهم كل يوم من أجل أمر يعتقدون أنهم ليسوا معنيين به في المقام الأول و من هنا كان لا بُد لي أن أشحذ الهمم و أضع بعض المُسكنات على الألم ببعض التصريحات و الخطابات التي قد تسكن الوضع قليلاً لحين الانتهاء من أمر هؤلاء الارهابيين المعادين لنا .
تنهد الوزير الشنيع بخيبة أمل من قلة حيلة التابع الوضيع و عجزه اللامسبوق و لكنه بادر بالحديث قائلاً : لا أريد أعذاراً عن ما مضى بل أريد منك التزاماً بما سيأتي مستقبلاً و إليك ما ستكون الأمور عليه من الآن فصاعداً و افهم للمرة الأخيرة ما أقول و نفذ بالحذافير ما هو مطلوب منك عسى أن تكون هذه الخطوة مركب النجاة لك قبل أن يفوتك القطار كما فات غيرك. رد التابع الوضيع بلهفة :هات ما لديك كلي آذانٌ صاغية لما ستقوله و ستجدني من المطيعين الملتزمين .
فبدأ الوزير الشنيع استعراض تعليماته بقوله للتابع الوضيع : في البداية أريد منكم عدم التدخل فيما يخص غاراتنا الجوية على جبهات القتال نحن وحدنا من يقول كلمة الفصل في ذلك كما لا أريد منكم القيام بأي ضغوطاتٍ على المستوى السياسي للتأثير على قراراتنا العسكرية في بلدكم نحن في النهاية لن نرضخ لأي شيء منها و سنفعل ما يحلو لنا و تعرفون معنى ذلك جيداً .
اكتفى التابع الوضيع بهز رأسه موافقاً , ثم أكمل الوزير الشنيع حديثه و قال : فيما يخص جنودنا البواسل على أرضكم فعليكم بذل الجهود المتواصلة للتنسيق معهم حول تعزيز حماية قواعدنا العسكرية لديكم و سنقوم بالمقابل بتكثيف غاراتنا على الأهداف المختلفة للأرهابيين خاصة تلك القريبة من قواعدنا و التي قد تشكل خطراً على أرواح جنودنا و سلامتهم كما أننا سنشكل مجلساً عسكرياً مشتركاً لبحث الخطوات القادمة حول تقدم السير في جبهات القتال المختلفة تباعاً بحسب ما نراه مناسباً دون تعريض حياة جنودنا و أرواحهم للخطر و لا تحاولوا الاستعانة بأي جهدٍ آخر أو حتى استشارة أي طرفٍ آخر قبل الرجوع إلينا لنعطيكم قرارنا بالموافقة على ذلك أم عدم الموافقة عليه و حاول أن تقلل من لقاءاتك و مقابلاتك مع وسائل الإعلام التي لا نرغب بها تفادياً للوقوع في حماقة من الحماقات التي قد تكشف للأعداء خططنا المستقبلية و كن صبوراً لو تأخرنا في حسم بعض الضربات و المعارك فتلك الأمور بحاجة لنفس طويل و لا تأتي بين ليلة و ضحاها و أخيراً لا تطلب من الرئيس إرسال أي أحدٍ لتناقش معه أي أمرٍ مهما كان صغيراً أم كبيراً فنحن أدرى بمن نرسل و بما نرسل و متى نرسل فالزم عليك عصابتك و ليسعك سرداب قصرك و إن رأينا وجوب قيام أي مسؤولٍ منا بزيارتكم فسنبلغكم بشكل مبكر في المرة القادمة في الوقت الذي نراه مناسباً , والآن انتهى الاجتماع و سأغادر لأطمئن على سلامة جنودنا في قاعدتنا الجوية تذكر الدرس جيداً و لا تنساه فتصبح على ما فعلت من النادمين

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى