قضية #هبة_أبو_طه: الصحافة في مواجهة #القوانين و #الحرية_المسلوبة
كتبت .. #علياء_الكايد
في قلب أي دولة تدعي التزامها بمبادئ الديمقراطية، تقف الصحافة كأداة حيوية لبناء الوعي الوطني وتعزيز الحوار العام. الصحافة ليست مجرد ناقل للأخبار، بل هي مرآة تعكس تحديات المجتمع وتقف في وجه السياسات والتوجهات الرسمية، لتتيح المجال للنقد والاقتراحات البديلة. من خلال ممارسة هذا الدور، تسهم الصحافة الحرة في ضمان شفافية الحكم، وهي بذلك تصبح جزءًا لا يتجزأ من النظام الديمقراطي الذي يسعى لإصلاح نفسه والتجاوب مع متغيرات العصر. ولكن، كما هو الحال في الأردن، يواجه الصحفيون تحديات كبيرة عندما تتعارض هذه الحرية مع قوانين قد تُستخدم للحد من هذه الحريات.
قضية هبة أبو طه: بين التهمة والحرية
من أبرز هذه القضايا تأتي قضية الصحفية هبة أبو طه، التي أصبحت تمثل نقطة انعطاف في النقاش حول حرية الصحافة في الأردن. القضية ليست مجرد محاكمة صحفية فردية، بل هي جزء من المسار الطويل الذي تمر به الصحافة في البلاد. ما يثير القلق في هذه القضية هو كيفية استخدام بعض القوانين التي تهدف إلى حماية المجتمع من المخاطر، في تقييد الصحافة الحرة، حيث تواجه الصحفية تهما تتعلق بنشر رأي نقدي، مما يثير تساؤلات حول تأثير تلك القوانين على الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور الأردني.
المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية: تأثيرها على الصحافة الحرة
إحدى أبرز المواد القانونية المثيرة للجدل في هذا السياق هي المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية. هذه المادة التي وُضعت أساسًا لحماية الأمن الوطني من تهديدات الإنترنت، تم استخدامها في حالات كثيرة بشكل قد يوسع تفسيرها ليشمل التعبير عن آراء نقدية أو حتى انتقاد بسيط لأداء المؤسسات الحكومية. وهنا يطرح السؤال: هل يمكن أن يتحول التعبير عن الرأي بحرية إلى جريمة تُعاقب عليها القوانين؟ وهل أصبحت الصحافة الحرة في خطر بسبب تطبيقات القوانين التي تهدد استقلاليتها؟
الصحافة وحماية الدستور: ضرورة الحفاظ على الحق في التعبير
من خلال المادة 15 من الدستور الأردني، تُضمن حرية التعبير بشكل صريح، ولكن هناك فارق كبير بين النصوص الدستورية والتطبيق الفعلي لهذه الحقوق على أرض الواقع. فما دام الصحفيون لا يمارسون سوى دورهم في نشر الحقيقة، لا ينبغي أن يتحولوا إلى متهمين بسبب آرائهم أو نقدهم. فإذا كان الهدف من هذه القوانين حماية المجتمع من تهديدات حقيقية، يجب ألا تُستخدم أداةً للحد من حرية الصحافة أو لتوجيه اتهامات ضد الصحفيين لمجرد أنهم أدوا واجبهم المهني في كشف الحقائق.
الإفراج عن هبة أبو طه: خطوة نحو حماية حرية الصحافة
إن قضية هبة أبو طه تعد بمثابة اختبار حقيقي لمدى التزام الأردن بحماية حرية الصحافة. الدفاع عنها لا يعني تبني أفكارها الشخصية أو مواقفها السياسية، بل هو دفاع عن المبدأ الأسمى في أي نظام ديمقراطي: الحق في التعبير وحرية الصحافة. الصحفي ليس مجرد ناقل للمعلومات، بل هو جزء من آلية المراقبة والمساءلة التي لا غنى عنها في أي مجتمع يسعى للإصلاح.
إن الإفراج عن هبة أبو طه يعد خطوة نحو ضمان أن الصحفيين في الأردن يمكنهم أداء مهامهم بحرية ومسؤولية، دون الخوف من الملاحقات القانونية التي قد تستخدم لإسكاته أو ردعه عن أداء واجبه المهني. إذا كان الأردن يرغب في تعزيز مكانته الديمقراطية، فإنه يجب أن يثبت للعالم أن الصحافة الحرة لا تمثل تهديدًا، بل هي وسيلة لحماية الإصلاح والمصلحة العامة.
فتح ملفات الفساد: الصحافة كأداة للتغيير
الأمر لا يقتصر على قضية هبة أبو طه، بل يمتد ليشمل ملفات أخرى تتعلق بالفساد أو التجاوزات التي قد تحدث في أي قطاع حكومي أو مؤسسي. فالصوت الصحفي الذي يسلط الضوء على هذه الملفات يُعتبر جزءًا من المساءلة المجتمعية. لكن، في حال كانت القوانين مثل المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية تستهدف الصحفيين لمجرد فتح هذه الملفات أو تسليط الضوء على التجاوزات، يصبح السؤال المشروع: كيف يمكن محاربة الفساد إذا كانت القوانين تُستخدم لتهديد الصحفيين والمواطنين الذين يرفعون الصوت؟
إذا كانت هناك عقوبات في قانون الجرائم الإلكترونية تعاقب على أي ممارسة صحفية تنتقد أداء المؤسسات الحكومية أو تفتح أبوابًا للحديث عن الفساد، فإن هذه العقوبات تصبح عائقًا أمام الكشف عن الحقائق وتعرية التجاوزات التي قد تمس مصلحة الوطن. فالتأثير على الصحافة بهذه الطريقة قد يُعتبر بمثابة حماية للفساد وليس حماية للمجتمع. الصحافة، بوصفها السلطة الرابعة، يجب أن تكون جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.
خاتمة: حماية الصحفيين ضمان لمستقبل الديمقراطية
إطلاق سراح هبة أبو طه هو خطوة ضرورية نحو حماية الصحافة الحرة في الأردن. الصحفيون هم العين الساهرة على الحقائق، وبدون حريتهم في التعبير، ستظل الأبواب مغلقة أمام الإصلاحات الحقيقية. إن الإفراج عنها ليس فقط إنصافًا لها، بل هو إنصاف لكل صحفي يسعى وراء الحقيقة، وهو تأكيد على أن الصحافة الحرة هي جزء من بناء مجتمع ديمقراطي متطور. حماية الصحفيين هي حماية للمستقبل السياسي والإداري للدولة، وهي خطوة أساسية نحو تحقيق الشفافية والمساءلة في الحكومة والمجتمع.