لم تكن قضية فلسطين يوما قضية قطر عربي اجتث شعبه من ارضه فحسب ، بل ان القضية الفلسطينية كانت و مازالت تشكل احد ابرز موجبات الوجود و محددات المصير العربي ، في صراع لم تشهد الأمة العربية اقبح منه ، منذ انطلاق ثورة العرب للتحرر و الاستقلال ، فالغزو الصهيوني عمل على احلال شعب مكان شعب ، و طمس الهوية العربية الإسلامية على ارض فلسطين ، و عمل على إحلال مركز قوة جديد بأساليب الحرب العسكرية و الاستيطان البشري من خلال السيطرة الثقافية و الاقتصادية .
ان فلسطين ليست الهدف النهائي للصهيونية ، لان المحتل لا يقنع بما حقق من احتلال ، و يسعى للتوسع ليبقى حيا، و لأن جوهر الاحتلال قائم على التوسع و الزيادة في مستوى الهيمنة بمحاورها الجغرافية و الاقتصادية و السياسية ، كما ان عقيدة المحتل تحتم عليه إدامة السعي و العمل على التوسع خوفا من ارتداد من اُغتُصِب حقه و احتلت ارضه إن وقف عن التوسع – مع الأخذ بعين الاعتبار عاملي الزمن و الظروف الراهنة .
ان الوضع الراهن بالنسبة للقضية الفلسطينية هو نتيجة طبيعية لنزول أهمية القضية الفلسطينية على سلم الأولويات العربية – على حساب الحروب العربية العربية – و الصراعات الوهمية التي اختلقها العدو الصهيوني لحرف بوصلة الأمة العربية عن قضيته المركزية و هي القضية الفلسطينية ، و اقتناع العرب بوهم السلام مع كيان غاصب لا يخفي مطامعه الاستيطانية التوسعية على حساب الجغرافيا العربية، للوصول الى السيطرة على ثروات الأمة العربية.
كما و ساهم تقاعس العرب خلال السنوات التي تلت حرب عام ١٩٧٣ عن اتخاذ إجراءات حقيقة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة و كبح جماح التوسع الصهيوني باندثار الحق العربي الفلسطيني تدريجيا ، الى ان وصلنا الى مرحلة رضخت بها دول عديدة و منها للأسف عربية لسياسة الأمر الواقع .
لقد خرجت القضية الفلسطينية من ميدانها الحقيقي الى تفرعات خطيرة منها ( قضية الكفاح السلمي و الغير سلمي ، و قضية اللاجئين ، و العديد من التفرعات الأخرى ) و غدا كل فرع قضية مستقلة قائمة بذاتها مما شتت الجهد العربي و قسم الصراع العربي الصهيوني الى جزئيات اضعفت القضية الرئيسية و قللت التركيز على جوهر الصراع و هو الوجود .
ان العرب قد اضاعوا الوقت و الجهد على رهانات خاسرة و اول هذه الرهانات هو الرهان على القرارات الدولية -التي اثبتت انها تميل للأقوى -، و كسب الرأي العام الدولي بالتمسك بخطط السلام و التي لا ينظر لها العدو الا من منطلق التسويف و كسب الوقت – للمضي قدما في مشاريعه التوسعية الاستيطانية والتي لا تستثني قطرا عربيا للوصول لهدفه الرئيسيي و هو استسلام العرب .
ان الوقت الراهن و ما يشهده العالم العربي من هجمات تفكيكية بعضها بأدوات عربية و الجهد الجدي الذي تبذله الصهيونية للتوسع على حساب الأراضي العربية هو الوقت الأنسب لإعادة بلورة التعاون العربي و رسم تصور واضح للمخاطر التي قد تطال كل الأقطار العربية اذا ما استمروا العرب بموقف المتفرجين ، و رسم الخطط و الآفاق لمواجهة هذا الصراع الحتمي دون مماطلة او تسويف لان المطامع الصهيونية لن تستثني احدا.
المحامي محمد مروان التل
كاتب اردني