في وطني “ابْنِ الْوِزّ عَوَّامْ” / د.منتصر بركات الزعبي

في وطني “ابْنِ الْوِزّ عَوَّامْ”

من الظواهرِ التي استقرَّتْ عند الكثيرِ مِن مسئولينا ،وعَبْرَ التاريخِ الماضِي والحاضِر: أنَّ المسئولَ يستغلُّ مَنصِبَه لتحقيقِ مصالحَ شخصيّةٍ ،أو يستأثرُ بالأموالِ العامَّةِ مِن غيرِ وجهِ حقٍ، بطريقةٍ مباشرةٍ أحياناً،أو بِحِيَلٍ وطرقٍ ملتويةٍ أحياناً أخرَى ،وهذا ما حصلَ لنا في الماضي ويحصَلُ لنا في الحاضر والحمد لله.

الوطن عم بيتم توريثه “يا رِجَّالَه” ،بدايةً مِن مَنصبِ رئيسِ الوزراءِ ،مرورًا بكلِّ القِطاعاتِ، كلٌ في مجالهِ ،يريدُ توريثَ مِهنتِه لأبنائِه أو خاصتهِ،هناكَ وظائفٌ في الدولة أصبحت حِكرًا عليهم ،بمعنى أخر “ملَّاكِي” في وطني “ابن الوِزّ عَوَّامْ” فالتوريثُ ،أصبحَ سرطانًا ينهشُ جسدَ الوطنِ ، حتّى تمددتْ جذورُه وصارَ شجرةً باسقةَ الأغصانِ، إنّه المرضُ المزمنُ المنتشرُ في جميعِ قطاعاتِ الدولةِ.
إنَّ استغلالَ النفوذِ الوظِيفِيِّ أيًا كان مصدرُه ،يؤدِّي إلى الإخلالِ بمبدَأ العدالةِ الاجتماعِيَّةِ بينَ أفرادَ المجتمعِ ,وذلك حينَ يُستَخدَمُ لتحقيقِ مصالحَ خاصةٍ على حسابِ المصلحةِ العامّةِ، ممّا يؤدِّى إلى انتشارِ الفسادِ الإدارِيِّ والمالِيِّ ،الذي يقعُ على الوظِيفةِ العامَّةِ ،والذي تتميّزُ عنْ باقِي جرائِمِ الوظيفَةِ العامّةِ ،حيثُ يمكنُ اعتبارُها مُدخلاً واسعاً لارتكابِ مخالفاتٍ وظيفيةٍ ترقَى إلى الجريمةِ الأخلاقيَّةِ ,وذلك لما يحققهُ النفوذُ الوظيفِيّ مِن تأثيرٍ وقهرٍ على عامةِ الشعبِ. ويمكنُ تعريفُ استغلالِ النفوذِ الوظيفِيّ ،بأنَّهُ الاستفادةُ مِن السلطةِ الوظيفيِّةِ بصورةٍ غيرِ قانونيّةٍ ،أو غيرِ مشروعةٍ ،وفقًا لِمَا مُنِحَ له مِن صلاحياتٍ أكسبته نفوذًا جيَّرَهُ بغير ما أراده المشرِّع ،وأسوأ صُوَرِهِ حين يقايضُ به مصلحة خاصةً ،تعودُ عليهِ بالفائدةِ ،والأدهَى حين يكونُ هو من يطلبُها ويأمُرُ بها ,لِمَا يسببه من ضررِ عامِّ أو خاصِّ يقعُ على الفردِ والمجتمعِ ،لأنَّه يَمسُّ حقوقَ الناسِ, وحرياتِهم.
وبذلك يصبحون معولَ إضعافٍ للدولة، وتحطيمٍ للشعبِ ،وتبديد قواه ،وتدمير اقتصاده حتى ساعة الاحتضارِ، ليُقضى عليهِ القضاءَ الأخيرِ ،ليعلو النُّواحُ وتُقامُ الجنائِزُ . الواجب على كل من تولّى أمراً من أمور الناس ،ومُنِحَ صلاحياتٍ تمسُّ حقوق البلاد والعباد؛ أن يخشى الله تعالى ويتقه, وينوي بها وجه الله طلباً لمرضاته, وعليه أن يتعهد نيته, ومقاصده, وأن يبرئ ذمته, وذلك بأن يقوم بواجبات وظيفته بالعدل, والرفق, والإحسان, وأن يتجنب الظلم, والكبر والتعالي والتعسف في استخدام حق هذه الولاية, فإن الظلم ظلمات يوم القيامة فقدْ روى الحاكمُ في صحيحِهِ : عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ : يَا يَزِيدُ ، إِنَّ لَكَ قَرَابَةً عَسَيْتَ أَنْ تُؤْثِرَهُمْ بِالْإِمَارَةِ ، وَذَلِكَ أَكْبَرُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ ، فَإِنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ} : مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا ، حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ{. فيا دولة الرئيس: لا تكن غولا تأكل غلولا

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى