في مخيم اليرموك بدمشق… الحياة مقابل كسرة خبز

سواليف

يعتمد الفلسطينيون المقيمون بمخيم اليرموك للاجئين في جنوب دمشق على المساعدات الغذائية للعيش في الحرب الأهلية التي تعصف بسوريا. لكن الوصول إلى تلك المساعدات قد يكلف المرء حياته.

ففي ظل القتال بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ذراع تنظيم القاعدة في سوريا من أجل السيطرة على المخيم عجزت الأمم المتحدة منذ أكثر من عام عن إيصال المساعدات وتوفرها بدلا من ذلك في مناطق مجاورة.

في الرحلة إلى نقطة الحصول على المساعدات لا تتوفر للسكان في بعض المناطق أي حماية من رصاص القناصة إلا قطع قماش سميك تتدلى بين المباني. ولا ينجح القناصة عادة في التمييز بين المقاتلين وغيرهم.

وبعد أن يجتاز سكان المخيم هذا التحدي يتعين عليهم عبور نقطة تفتيش أقامتها الدولة الإسلامية. وتسيطر نقطة التفتيش تلك على الطريق الواصل إلى بلدة يلدا المجاورة حيث تتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمات أخرى تسليم المساعدات حينما يتسنى لها ذلك.

ووصف ساكن يطلق على نفسه اسم محمود- رغم تأكيده أن ذلك اسم مستعار يستخدمه خوفا من بطش المتشددين- في حوار عبر الإنترنت كيف يقوم بهذه الرحلة ثلاث مرات أسبوعيا.

وأضاف الشاب البالغ من العمر 22 عاما لرويترز “أخرج من منزلي وأجد نقطة تفتيش على بعد كيلومتر تقريبا. أغلب الشوارع في المخيم تقع في مرمى نيران القناصة.. من الجانبين. يكون علي أن أحذر منهم. يمكنني الركض في بعض الشوارع ولا يسعني في البعض الآخر سوى السير”.

فر عشرات الآلاف من المخيم منذ اندلاع الحرب لكن مئات السكان لا يزال يملكون جرأة القيام بنفس الرحلة.

وشيد مخيم اليرموك قبل عشرات السنوات كواحد من مخيمات كثيرة أقيمت في المنطقة بعد الحرب بين العرب وإسرائيل في 1948 من أجل إيواء الفلسطينيين الذين فروا أو طردوا من منازلهم. واليوم يكاد مخيم اليرموك يضيق بساكنيه من اللاجئين الأصليين ناهيك عن بعض السوريين الذين شردتهم الحرب فسكنوا بالمخيم.

وقصف مخيم اليرموك وحوصر وعزل عن العالم الخارجي منذ بدايات الصراع متعدد الأطراف الذي يعيش الآن عامه السادس. واقتتلت القوات الحكومية ومعارضون مسلحون ومتشددون إسلاميون من أجل السيطرة على المخيم الذي يقع على بعد كيلومترات قليلة من قلب دمشق.

أرض فضاء

دخل مقاتلو الدولة الإسلامية المخيم الذي يعج بالبنايات في أبريل نيسان من العام الماضي بفضل مساعدة من جبهة النصرة في موقف تعاون نادر بين الفصيلين الخصمين. وسيطرت الدولة الإسلامية وقتها على غالبية المخيم.

وبعدها رفع الطرفان- الدولة الإسلامية وجبهة النصرة- السلاح كل في وجه الآخر وأتت المعارك في الأسابيع الأخيرة على عدد لا يحصى مما تبقى من مساكن المخيم في ظل محاولة الدولة الإسلامية على انتزاع مناطق تسيطر عليها جبهة النصرة.

وقال محمود “ساءت الأوضاع بشدة في الفترة الأخيرة. هذا قتال يدور داخل المخيم فقط.. ولا يمتد لمنطقة أخرى.. يتركز هنا فقط”.

وأضاف أن المقاتلين يستهدفون المنازل ويحرقونها ولو كان بداخلها سكان بغرض عرقلة تقدم الطرف الآخر.

وفي الناحية الأخرى من شريط داخل أرض فضاء متاخمة لمنطقة سيطرة الدولة الإسلامية هناك مقاتلون تحت راية الجيش السوري الحر يسيطرون على بلدة يلدا.

وقال يوسف وهو كغيره من سكان مخيم اليرموك الذين تحدثوا لرويترز قدم نفسه باسم مستعار “تتوقف مدى خطورة الطريق إلى يلدا على سخونة المعارك هناك. في الفترة الأخيرة يتعين على من يسكنون في مناطق القتال الاحتماء بقطع قماش سميكة أو بالأرصفة أسفل البنايات.”

وقال يوسف “يوم الخميس الماضي أصيب أحد الأشخاص برصاصة قناص”.

وقال ساكن آخر قدم نفسه باسم محمد وعمره 30 عاما “إذا رغب أحدهم في مغادرة منزله للحصول على بعض الماء فقد لا يعود”.

وأضاف محمد الذي اشتغل قبل أحداث العنف الأخيرة بيع الأطعمة من كشك في الشارع “قد يدفع المرء حياته ثمنا للحصول على كسرة خبز أو بعض الطعام”.

إمدادات متواضعة

قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الدولة الإسلامية تسيطر على ثلثي مساحة مخيم اليرموك تقريبا وتسعى لانتزاع بقيته من يدي جبهة النصرة منذ أبريل نيسان. وأضاف المرصد أن مدنيين كثر قد قتلوا خلال الأسابيع الماضية.

ولا يخاطر كثيرون بالخروج للشارع. وقال أبو أنس وهو عامل سابق “كثير من الناس يكتفون بالجلوس في منازلهم.. نحن عالقون هنا وعالقون في المخيم”.

وأضاف “الماء قليل جدا والوقود قليل. نحصل على المساعدات بالأساس من الأونروا.. لا نحصل على الكثير لكنهم أملنا الرئيسي.. كل 20 يوما نحصل على حزمة تكفي بالكاد عائلة واحدة”.

وقال إن هذه الحزمة تتكون من 4 كيلوجرامات من العدس و5 كيلوجرامات من السكر وكيلوجرام من المعكرونة وعلب طماطم.

وقد يتسبب القتال في إغلاق نقطة التفتيش لأيام. لكن إذا تسنى للسكان العبور يصبح بمقدور محمد ويوسف وغيرهما شراء أشياء أخرى يمكنهم دفع ثمنها من أكشاك صغيرة في يلدا قبل العودة.

وحتى الحصول على مساعدات فإن قطع الكيلومترات القليلة من دمشق إلى يلدا مرورا بمناطق تسيطر عليها الحكومة وأخرى تسيطر عليها المعارضة يتطلب حديثا مضنيا مع السلطات المحلية ووجهاء وقادة من طرفي الصراع.

وقال كريس جانيس المتحدث باسم الأونروا “حين سمح لنا بالوصول إلى يلدا لأول مرة.. ولمجرد الوصول إلى هناك كان على الأمم المتحدة التفاوض على 17 اتفاقا منفصلا.” وعلى مدى شهر على الأقل بدءا من أبريل نيسان تعجز الأونروا حتى عن الوصول إلى يلدا وحذرت من أن السكان يواجهون خطر المجاعة إن لم تستأنف المساعدات.

وقال جانيس “داخل اليرموك دأبت القوات المتحاربة على استخدام ذخائر كبيرة دون تمييز. من غير المقبول على الإطلاق أن يجد أناس تساعدهم الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين أنفسهم في هذا الوضع في عاصمة بلد عضو بالأمم المتحدة”.

هجرة

في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء يلجأ الناس لاستخدام المولدات وشرب ماء يباع على ظهر شاحنات يقول السكان إنها تسلك طريقا مختلفا من أجل الوصول. وقال يوسف إن الماء الذي يستخرج من آبار بعيدة ملوث ولا يمكن استخدامه إلا للاستحمام.

وبين آلاف ممن نزحوا في موجة هجرة من مخيم اليرموك بحث البعض عن ملجأ داخل سوريا بينما قصد آخرون دولا مجاورة أو أوروبية.

وقال عامل إغاثة في مؤسسة جفرا التي ترصد أوضاع حقوق الإنسان في المخيمات الفلسطينية بسوريا إن المئات تركوا المخيم خلال الأسابيع الماضية فقط.

وكان عدد الفلسطينيين من ساكني المخيم قبل الحرب 160 ألفا مقابل ثلاثة إلى ستة آلاف فقط في الوقت الحالي. وقال عامل الإغاثة إن عددا مماثلا تقريبا للنازحين من المخيم يعيش في يلدا.

وقال محمود الذي أفاد بمقتل والدته في قصف للقوات الحكومية قبل ثلاث سنوات إنه سيبقى في المخيم.

وأضاف “بيتي هنا وأبي يعيش هنا. حين أذهب إلى يلدا أشعر أني نازح. اليرموك مخيمي.. لن أتركه أبدا”.(رويترز)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى