في ظلال الذكرى .. مواقف لا تنسى للشهيد وصفي التل

سواليف
مع اقتراب الذكرى السابعة والأربعين لاستشهاد رئيس الوزراء وصفي التل في اواخر تشرين ثاني الحالي ، وفي ظلال الذكرى التي لا تغيب عن الأردنيين ، ولا المواقف الرجولية والوطنية للشهيد التل التي لم ولن ينساها الأردنيون ، كتب الصحفي تحسين التل تحت عنوان :
الولاية العامة والمحافظة على المال العام في قاموس الشهيد وصفي التل

جلس وصفي التل مكان وكيل إحدى الوزارات ذات صباح وصار يوقع معاملات المراجعين، وبعد أن (شرف) الوكيل بعد الثامنة صباحاً تفاجأ برئيس الوزراء يجلس مكانه؛ وكان قد أنهى الكثير من المعاملات، فقال له وصفي إرجع الى بيتك فهو أولى بك، هنا مكان عمل وخدمة جمهور وأنت أعلى وأكبر من أن تكون خادماً للشعب…؟!

سمع الرئيس وصفي التل أيضاً أن أحد الوزراء رفض أن يخرج من وزارته بعد التعديل، وجلس على مكتب وكيل الوزارة، فأصيب الوزير الجديد بالحرج، فاتصل بوصفي التل وأخبره أن الوزير السابق يرفض الخروج من الوزارة بل ويجلس مكان الوكيل، فقال وصفي للوزير أخبره على لساني أنه إذا لم يغادر مكانه فإن وصفي سيأتي للوزارة ويضربه بالعقال، فحمل الوزير حقيبته وخرج مسرعاً لأنه يعلم بأن وصفي إذا قال فعل، وهو جدي في أمور الدولة، ولا يتهاون مع أحد.

وفي رواية ثانية أخبرني بها أحد الثقات وكان شاهداً على الموقف؛ أن وصفي كلف أحد مدراء الإذاعة للذهاب الى بيروت من أجل الإطلاع على واقع الحركة الفنية هناك، وتجهيز دراسة فنية وثقافية لتزويد الإذاعة الأردنية بها، باعتبار أن الحركة الفنية في لبنان كانت متقدمة نوعاً ما، فذهب الى بيروت بعد أن أخبره وصفي بصرف مبلغ ثلاثمائة دينار من صندوق الإذاعة، لكن المدير صرف السلفة على السهر والعبث وكتب تقرير في اليوم الثالث يؤكد أنه التقى بالحركة الفنية والثقافية وما الى ذلك.

كان الشهيد وصفي التل أرسل أحد الموظفين ليراقبه في بيروت، وبالفعل عاد الموظف وأخبر الشهيد بأن فلان صرف أموال الإذاعة على العبث والسهر واللهو، وعندما عاد المدير من السفر؛ طلبه التل الى الرئاسة وسأله؛ كيف كانت رحلتك الى بيروت؛ فقال له على خير ما يرام، وكل الرحلة مكتوبة في التقرير.

عند ذلك قام وصفي وأغلق باب المكتب وخلع العقال وراح يضرب المدير بحضور راوي هذه الحادثة، وقال له والله غير تدفع الثلاثمائة دينار من راتبك، وفوقهم أجرة الموظف الذي أرسلته لمراقبتك…

وصفي التل كان يخاف على أموال الدولة وكأنها أموال أيتام، لا يجوز، ولا يحق لأحد التحكم بصرفها مهما كان صاحب الأمر فيها؛ رئيساً للوزراء أو أصغر موظف في الدولة، وهذه هي الأمانة التي تجلت في أبهى صورها عند الشهيد التل…

وزراء اليوم أو حتى أقل النواب حظاً لديهم رواتب وامتيازات وأملاك تساوي كل ما كان يملك الشهيد وبعدة أضعاف، وراتب أصغر موظف في هيئة حكومية مستقلة يساوي عشرات أضعاف راتب وصفي التل.

كان راتب وصفي (190) ديناراً، يعني في أيامنا هذه يمكن أن يصل الراتب الى (1900) دينار إذا ضربناه بعشرة أضعاف، مع العلم أن راتب الوزير والنائب والعين حوالي أربعة آلاف دينار، وراتب رئيس الحكومة سبعة آلاف دينار دون امتيازات أخرى تضاف على الراتب.

وصفي كان يستخدم في عمله الحكومي اليومي سيارته الشخصية، وكان يبدل النمرة كل يوم مرتين في الصباح والمساء حتى إذا كان خارج الدوام دفع ثمن بنزين السيارة من جيبه وليس مما توفره الحكومة من بنزين مجاني، وما كان يطبقه الشهيد على نفسه كان يفرضه على كل أعضاء الحكومة.

لقد كانت السيارات تخدم المسؤولين وقت العمل فقط، وكان يمنع التصرف بما يخص الدولة إلا خلال الدوام الرسمي.

الشهيد وصفي كان يقترض مثل أي مواطن عادي ويدفع الأقساط التي كانت تُخصم من راتبه الشهري، وقد استدان من مؤسسة الإقراض الزراعي من أجل الأرض وزراعتها والعناية بها، وكان اشترى تراكتور بالتقسيط مع أنه قادر؛ وهو الحاكم العام للدولة، أن يكون أكبر ملياردير في تاريخ الأردن، لكنه مات مديوناً…

ألف رحمة ونور على روحك الطاهرة يا أبو مصطفى، عشت غنياً بأخلاقك وحبك للوطن، واستشهدت نقياً طاهراً فإلى جنات الخلد إن شاء الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى