في معظم الدول العربية المعاصرة فشلت النخب الحاكمة الفاسدة المستبدة في إدارة شؤون بلادها وشعوبها لسببين الأول فسادها والثاني إنحلالها أو إنحطاطها الأخلاقي، وتسبب ذلك بظهور التشدد والتطرف، ويحتدم الصراع اليوم في القطر العربي الواحد بين فريق الفاسدين المنحلين وفريق المتطرفين المتشددين، أما المعتدلون فقد انقسموا إلى قسمين قسم خضع لسلطة الفاسدين المنحلين والقسم الآخر إلتحق بالمتطرفين أو يتعاطف معهم. لذلك أصبحت هذه الدول دولا فاشلة غير قادرة لا على حماية شعوبها ولا على توفير لقمة العيش الكريمة ولا حتى على تقديم الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء التي يفترض أن يتم توصيلها للشعب بسعر الكلفة فقط لأنها ثروة وطنية ملك الشعب ولا يجوز إحتكار هذه الثروة الوطنية ببيعها لمستثمر لإستغلالها والتربح بها ببيعها للمواطن بأسعار باهظة لا طاقة له بها وهذا يؤدي مع غيره ومثله إلى ضعف القوة الإقتصادية للمواطن ثم ضعف القوة الإقتصادية للوطن، ولذلك قالوا إقتصاد ناجح يعني سلطة مخلصة وناجحة كما في تركيا مثلاً، أما إقتصاد متدهور فيعني سلطة فاسدة وفاشلة مثل بعض الأقطار العربية اليوم. عندما تصبح الدولة فاشلة بسبب الفساد والإنحلال وعاجزة عن خدمة شعبها يبرز دول القبيلة بشكل أكبر، لأن القبيلة بطبيعتها قائمة على مجموعة من العادات والتقاليد التي تحرص عليها وتفخر بها وقد استمدتها بالوراثة من منظومة القيم والأخلاق الدينية، إذ يعتبر علماء الإجتماع كإبن خلدون أن القيم والأخلاق هي عماد أي كيان سواء كان قبليا أو دوليا. ولقد ثبت عمليا منذ القدم في أكثر من زمان وفي أكثر من مكان وجاءت بالأمس “ذيبان” لتؤكد على أن القبيلة تحرص على مصالح أبنائها وتهرع لحمايتهم وتحصيل حقوقهم نخوةً دون مقابل لا بل أن القبائل تضحي بأنفسها وأموالها وأولادها وتعرضهم للأخطار مجانا من أجل سمعة القبيلة وشرفها وكرامتها، وبالمقابل لا يستطيع المواطن أن يحصل على وظيفة أو ينجز معاملة عند الدولة الفاسدة الفاشلة إلا بالواسطة والمحسوبية ودفع الرشاوي مع الإذلال والمماطلة وهذا ما يدفعه دفعا ليجعل ولاءه الحقيقي للقبيلة وليس للدولة، وهذا ما يفسر أحداث الجامعات وبعض النزاعات وخاصة جرائم القتل في المدن والبوادي والأرياف حيث يهرع شباب القبيلة لنصرة بعضهم في ظل عجز الدولة عن حل المشكلة أو تأجيلها أو التسويف بحلها أو إطالة أمد التقاضي حتى ييأس الناس من تحصيل حقوقهم عند طريق الدولة فيلجأوا إلى قبيلتهم التي تقوم بإنجاز المهمة على وجه السرعة. في ظل ضعف الدولة وفسادها وإنحلالها وفشلها يمكن إعتبار القبيلة كيانا سياسيا ممجداً ومعظما خصوصا مع طغيان الدولة العربية المعاصرة وهجمتها على الأحزاب السياسية فأضعفتها وقيدتها وحجمتها وجعلتها غير قادرة حتى على عمل إفطار رمضاني، وفي تقديري أن الدول الفاشلة ستندم على إضعافها للأحزاب لأنها ستكتشف أن القبائل أخطر عليها من الأحزاب ولكن بعد فوات الأوان. حصل أن كانت الدولة أفضل من القبيلة في حالتين فقط الأولى الدولة الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين المحكومة بالكتاب والسنة مع التطبيق الحرفي بعدالة على الجميع، والثانية “دولة القانون الحديثة” كما في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وسويسرا. في مثل هاتين الحالتين يصدق القول “شبر في الدولة ولا ذراع في القبيلة”، أما في غيرها فيصدق القول “شبر في القبيلة ولا ذراع في الدولة”، وفي هذه الحالة.. الدولة العربية المعاصرة “دولة القنوة” لا يصح تسميتها دولة وإنما هي عصابة مسلحة وتسميتها دولة عربية هي في الحقيقة “الكذبة العربية الكبرى”.
ضيف الله قبيلات