غير مغموم ولا مهموم

غير مغموم ولا مهموم
م. عبد الكريم أبو زنيمة

مات أبو مشاري -رحمه الله- بعد قرنٍ من الزمان عاشه وكان شاهدًا على الكثير من المتناقضات والعجائب! من دولٍ وزعماء يدقون طبول الحروب إلى زعماء يرقصون على أنغام الاستسلام، من ثرواتٍ تبدد على شراء الأسلحة إلى جيوشٍ تستخدم فقط للقمع وأسلحةٍ تكدّس للعرض، من خططٍ للتنمية إلى مشاريع تسمين للبيع والسمسرة، من بلاد العرب أوطاني إلى بلاد الجوار أعدائي…الخ، لكنّه مات وهو متيقن بأنَّه سيكون من أثرياء زمانه! فقد أكد مراتٍ عدّة بأنَّه رأى ولأكثر من مرة دجاجة حمراء بحجم ديك الحبش تخرج من مغارة الجرف بعد صلاة العشاء ويتبعها صيصانها وترجع للمغارة عند آذان الفجر، سأل الشيوخ وشيوخ الجن عمّا كان يراه وجميعهم أكدوا له أنَّ هذا كنز مرصود وأنَّه سيكون من نصيبه!
مضت الأيام والسنين وأبو مشاري يخطط لمستقبله ويبني مشاريعه ويسافر شرقًا وغربًا ويخطط لزواجه –زواج القرن كما كان يتخيله ويعد به ويتحدث به- بل أنَّه كان يسرّ لأصدقائه المقربين بأنَّه سيتزوج أكثر من واحدة ليكون له أبناء كثر، منهم من سيلتحق بسلاح الفرسان ومنهم الضباط والأطباء والشيوخ والمهندسين، عقد من الأحلام وأبو مشاري يرصد مغارة الجرف أكثر من الرصد نفسه، مات أبو مشاري وتخلص أبو سعيفان من الرصد الأول!
نشط أبو سعيفان بالتواصل مع جماعة الحفر والنفر وجميعهم أكدوا من خلال أجهزة الكشف عن الذهب أن الذهب موجود وبكميات كبيرة جدًا لكنه مرصود! تواصل أبو سعيفان مع عددٍ من الشيوخ وشيوخ الجن وبعضهم حاول فك الرصد لكن محاولاتهم جميعها بائت بالفشل، وأخيرًا اهتدى لشيخ مغربي مشهور بفك الرصد والسيطرة على الجن، تواصل معه واستقدمه وحل ضيفًا على أبو سعيفان بعيدًا عن أعين الناس إلا مجموعة مقتصرة على خمسة أشخاص، تسللوا ليلاً إلى مغارة الجرف وهناك عاين الشيخ المغارة وبانت على وجهه وحديثه علامات السرور والفرح وردد أكثر من مرة “يا ما انت كريم يا رب، الحمد والشكر لك يا رب” طلب منهم العودة للبيت على أن يعودوا لاستخراج الكنز في الليلة القادمة.
ما إن وصلوا بيت أبا سعيفان حتى التفوا جميعهم حول الشيخ وكلهم آذان صاغية لما سيقوله، لم يطل انتظارهم، تنحنح الشيخ وطلب منهم الصلاة على النبي ثم قال: اسمعوا يا جماعة، هذه رزقة من رب العالمين وعلينا أن نشكره عليها ونحافظ عليها، وشكرنا لله يكون بأن لا نسلك دروب الحرام وأن نتمتع بها وننفقها بالحلال وأول ما علينا فعله أن نتعاهد بالله أن لا يخون بعضنا بعض وأن لا نخون الأمانة بيننا، وعلينا أن نتقاسم بالله على ذلك، أقسموا بالله وتعاهدوا وقرأوا الفاتحة فيما بينهم وناموا على أن يحضروا لوازم المندل الذي سيفتحه الشيخ في الليلة القادمة، سأله أحدهم: ما هي اللوازم المطلوبة للمندل؟ فأجابه الشيخ: أشياء بسيطة يا ابني وكلها موجودة عندكم .. لا تفكر بالموضوع.. أشياء بسيطة!
ناموا ليلتهم، أو تظاهروا بالنوم فلم يغمض لأحدهم جفن فالكل كان غارقًا في بناء مستقبله المشرق القادم! ما إن صاح ديك الصباح حتى نهض الشيخ من فراشه .. ذكر الله وحمده وشكره.. وهم يبتهلون بذكر الله .. توضأوا فصلوا.. وما إن سلّم الشيخ عن شماله حتى قفزوا حوله سائلين: اه يا سيدنا الشيخ، شو مطلوب منا نجيب؟ صاح الشيخ: مالكم يا جماعة مستعجلين! شغلات بسيطة وكلها موجودة عندكم خليها بكرة بالنهار نحكي بيها! جميعهم بصوت واحد: خير البر عاجله يا سيدنا ، الشيخ: على بركة الله، المطلوب هو خروف أسود عمره خمسة أشهر، جميعهم بصوت واحد: بسيطة، بس “قط” أسود عمره ثلاثة أشهر.. بسيطة، قرقعة “سلحفاة” ذكر عمره خمسة أشهر..بسيطة، فرخ حنيش أسود عمره شهرين…بسيطة، طفل عمره سنتين يحكي السريانية والآرامية…بسيطة، أردني غير مغموم ولا مهموم يضحك يفتح على وجهه الكنز… جميعهم بصوت استنكاري واحد: ايش من وين نجيبه؟!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى