غيبوبة رمضان شلح تقلق

سواليف

يقال بأنه ضابط الإيقاع في صفوف حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، وبأنه “بيضة القبان” التي تمنع الحركة من “الاندفاع” بقوة باتجاه طهران، ويقال عكس ذلك تماما، وبأنه ألقى بالحركة في أحضان إيران بالكامل، ولم يستطع الهروب من شباكها على عكس مؤسس الحركة الشهيد فتحي الشقاقي.

البرود وحالة الجفاء التي شهدتها العلاقة بين طهران والحركة على وقع الأحداث في سوريا، ومحاولات طهران الحثيثة دفع الحركة لأخذ موقف أكثر وضوحا إلى جانب دمشق كان السمة التي غلبت على العلاقة بين الحليفين في السنوات الأخيرة.

إشراف فريق طبي إيراني على علاجه في مستشفى يتبع بالكامل لـ”حزب الله” في الضاحية الجنوبية ببيروت يحمل بين ثناياه دلالات وإشارات كثيرة، ليس أقلها قلق إيران من تولي قيادة جديدة للحركة تبتعد في خطها التنظيمي عن إيران وتقترب من خصومها الإقليميين.

لا يعرف حتى اللحظة الوضع الصحي الحقيقي له، فالروايات متضاربة وكل يغني على هواه في مسألة صحة الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” رمضان شلح .

شلح المولود في حي الشجاعية بقطاع غزة في عام 1958 لأسرة محافظة وكبيرة تضم 11 ولدا، والذي فرض عليه استشهاد الشقاقي تولي زعامة الحركة، قائد فلسطيني متخصص في علم الاقتصاد من جامعة “الزقازيق” بمصر عام 1981.

عمل أستاذا للاقتصاد في ” الجامعة الإسلامية” بغزة، واشتهر في تلك الحقبة بخطبه الجهادية التي أثارت غضب الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض عليه الإقامة الجبرية ومنعه من العمل في الجامعة.

في عام 1986 غادر شلح فلسطين إلى لندن لإكمال الدراسات العليا، وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من بريطانيا عام 1990، ليتنقل بعدها بين عواصم الكويت ولندن ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل أستاذا لدراسات الشرق الأوسط في جامعة “جنوبي فلوريدا” بين عامي 1993 و1995.

وسيتولى في عام 1995 منصب الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” خلفا للشهيد فتحي الشقاقي الذي اغتاله “الموساد” الإسرائيلي في مالطا.

وقصة شلح مع الحركة بدأت حين تعرف أثناء الدارسة في جامعة الزقازيق على فتحي الشقاقي الذي كان في تلك الفترة يؤمن بفكر جماعة “الإخوان المسلمين” وكتب سيد قطب، ونشأت حركة “الجهاد الإسلامي” كثمرة لحوار فكري شهدته الحركة الإسلامية الفلسطينية أواخر السبعينات، وقادته مجموعة من الشباب الفلسطيني في أثناء وجودهم للدارسة الجامعية في مصر من بينهم الشقاقي وعبدالعزيز عودة.

ونتيـجة للحالة التي كانت تعيشها الحركة الإسلامية في ذلك الوقت من إهمال للقضية الفلسطينية، والحالة التي عاشتها الحركة الوطنية من إهمال الجانب الإسلامي لقضية فلسطين، تقدمت “الجهاد الإسلامي”، كفكرة وكمشروع فـي ذهن مؤسسها فتحي الشقاقي، حلا لهذا الإشكال.

وفي أوائل الثمانينات وبعد عودة الشقاقي إلى فلسطين تم بناء القاعدة التنظيمية للحركة فـي فلسطين، وبدأت الحركة خوض غمار التعبئة الشعبية والسياسية في الشارع الفلسطيني بجانب الجهاد المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، حلا وحيد لتحرير فلسطيـن، بحسب أدبيات الحركة.

والتقي شلح مع الشقاقي في دمشق وناقشا الخطط لتطوير العمل الجهادي، لكن اللقاءات توقفت في عام 1995 إثر اغتيال الشقاقي، وأمام الرحيل المفاجئ لمؤسسها قررت الحركة انتخاب شلح أمينا عاما لها.

وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، اتهم الاحتلال الإسرائيلي شلح بالمسؤولية المباشرة عن عدد كبير من عمليات “الجهاد” ضد أهداف إسرائيلية، من خلال إعطائه أوامر مباشرة بتنفيذها، وهو الأمر الذي دفع بالاحتلال إلى التعامل معه كقائد عسكري، إلى جانب دوره السياسي.

وفي نهاية عام 2017 أدرج مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي”FBI”، شلح على قائمة المطلوبين لديه، إلى جانب 26 شخصية حول العالم.

وسبق أن أدرجت السلطات الأمريكية شلح على قائمة “الشخصيات الإرهابية” بموجب القانون الأمريكي وصدرت بحقه لائحة تضم 53 تهمة من المحكمة الفيدرالية في المقاطعة الوسطى لولاية فلوريدا عام 2003.

وقامت الإدارة الأمريكية عام 2007 بضمه لبرنامج “مكافآت من أجل العدالة” وعرضت مبلغ 5 ملايين دولار مقابل المساهمة في اعتقاله.

وسيدخل شلح في سياق روايتين متضاربتين أحدهما نقلت عن مصدر مقرب من حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، تقول إن الأمين العام للحركة دخل قبل بضعة أسابيع في غيبوبة، عقب عملية جراحية أجريت له بالضاحية الجنوبية في بيروت بعد أن أصيب بجلطات متتالية أدت إلى نقله من دمشق مقر إقامته الدائم إلى بيروت.

والثانية نقلت عن مصدر فلسطيني محسوب على حركة “فتح” لموقع “قدس برس”، تقول إن المسؤول الأمني بسفارة فلسطين في بيروت، رفع تقريرا إلى جهاز المخابرات الفلسطينية في رام الله، أشار فيه إلى وجود شكوك حول إصابة شلح بتسمم.

وجاء في التقرير الأمني الفلسطيني، أن جهتين اثنتين من الممكن أن تكونا وراء هذا التسمم؛ إحداهما جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي “الموساد”، والثاني جهاز أمني تابع لدولة إقليمية.

“الجهاد الإسلامي” نفت صحة الأنباء التي تحدثت عن تسميم أمينها العام، وقالت في بيان لها إنه خضع مؤخرا لعملية جراحية في القلب، مؤكدة أن وضعه الصحي “مستقر” وأنه يخضع لمتابعة طبية.

بدوره قال القيادي في الحركة أحمد المدلل في تصريحات إعلامية إن “شلح مريض بشكل طبيعي ولا صحة للأنباء المتداولة بشأن عملية اغتيال ونتمنى الشفاء العاجل له”.

ويرى مراقبون أن خضوع شلح للعلاج بمستشفى “الرسول الأعظم” التابع لـ”حزب الله”، وإشراف فريق أطباء إيراني على متابعة حالته الصحية، يعكس عمق العلاقة بينه وطهران.

ويبرر إصرار “حزب الله” أن يكون علاج شلح تحت رعايته، كنوع من “الحماية” له ضد أي محاولة لاغتياله.

وفي جميع الأحوال فإن الوضع الصحي للأمين العام لـ”لجهاد الإسلامي” رمضان شلح دفع قيادات الحركة للتفكير جديا بإجراء انتخابات ضيقة لاختيار أمين عام جديد ، بعد أن أخبر الأطباء مسؤولي الحركة أنه لن يكون قادرا على العودة للعمل حتى لو استفاق من الغيبوبة.

وقال بعض المحللين السياسيين، إنه في ظل الحديث عن تدهور الوضع الصحي لرمضان شلح، فإن الحركة لن تنتظر طويلا لاختيار من يخلفه، لكن الأمين العام الجديد لن يأتي سوى بضوء أخضر من طهران.

وظلت الحركة ترتبط بعلاقات وثيقة مع طهران التي تخصص لها تمويلا سخيا، لكن العلاقة بينهما اهتزت بعض الشيء بعد اندلاع الأزمة السورية حينما رفضت الحركة إظهار أي موقف واضح داعم لبشار الأسد، وتدخل “حزب الله” في الوساطة بين الطرفين تمخضت عنها زيارة وفد من “الجهاد” لإيران في عام 2016.

ولا تبدو طهران مطمئنة بالكامل من إجراء انتخابات داخل “الجهاد الإسلامي” لاختيار أمين عام جديد بوجود قاعدة جماهيرية لا يستهان بها تتحفظ على العلاقة الخاصة مع طهران، وسط مخاوف من أن طهران وضعت الحركة في مرمى النيران مع قوى إقليمية أخرى تعتبر طهران خطرا داهما على استقرارها.

وتتردد أسماء كثيرة لخلافة شلح، من بينها، نائب الأمين العام زياد النخالة، لكن إيران تتحفظ على النخالة، لأنه من المعارضين للتقارب المفتوح معها، ويميل نحو أن تكون للحركة علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية.

وتدور مشاورات داخل الحركة لتولي محمد الهندي منصب نائب الأمين العام.

ويرى متابعون أن إيران ربما تضطر إلى التلويح بوقف الدعم لحركة “الجهاد الإسلامي” خلال الفترة المقبلة، في حال جرى اختيار أمين عام لا يتفق مع سياستها، أو تكون له بعض الميول الرافضة للتقارب معها.

وتعيش الحركة أزمة مالية، بعدما قررت إيران خفض الدعم المقدم لها منذ تصاعد الخلافات الداخلية، واتساع نفوذ الرافضين للتقارب معها، بعد تراجع دور شلح.

ويقول مراقبون إن مصير الحركة ينذر بالمزيد من الشتات، ما يضع خيارا واحدا أمام طهران، بأن تكون حركة “الصابرين” المنشقة عن “الجهاد الإسلامي” البديل الأمثل لها، حتى وإن كانت شعبية “الصابرين” ضعيفة ولا تكاد تمثل قيمة في الشارع الفلسطيني.

ويبني هؤلاء وجهة نظرهم على قرب انهيار علاقة إيران بـ”الجهاد الإسلامي”، من أن التيار السلفي الرافض لوجود علاقة مع طهران داخل الحركة في تزايد مستمر، وهو ما يشي بأن حقبة التحالف بصدد كتابة آخر سطورها مع الوضع الصحي الخطر لشلح.

رحيل شلح أو بقاؤه أسير الغيبوبة قد يؤدي إلى فقدان الحركة بعض توازنها، لكنها في نهاية الأمر ستحاول البحث عن جهة داعمة تؤمن على الأقل بحقها في “الجهاد المسلح” عبر جناحها العسكري “سرايا القدس”.

عربي 21

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى