غرباء في أمواج عاتية / مروى الشوابكة

#غرباء في #أمواج_عاتية

بقلم/ #مروى_الشوابكه

الحمد لله تعالى خالق الكون وسُنَنِه، فالق الإصباح، مُنْزِل الكتاب، والصلاة والسلام على من بُعث مُرشداً للناس وهادياً للحق وإلى طريق مستقيم، وبعد:

فلقد حذرنا رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- من الفتن التي تقع في آخر الزمان، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: “يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن، ويُلقى الشّح، ويَكثر الهَرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل” متفق عليه.

ويرى العلماء الربّانيون أن هذا الزمان هو زمان الفتن -نسأل الله تعالى السلامة منها-.

ومعنى الفتنة في اللغة: الابتلاء والاختبار والامتحان. وأما في الاصطلاح: “فالفتنة ما يَعرض للعباد من بلايا ومحن، في أمور دينهم أو دنياهم، فتظهر سرائرهم، وتنكشف حقائقهم”.

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيّ قلب أُشْرِبها نُكِت فيه نكتة سوداء، وأيّ قلبٍ أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصّفا، فلا تضرّه فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً، كالكوز مُجخيا، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه” متفق عليه.

وهذا الزمان الذي قال عنه رسولنا الحبيب: “سيعود الدين غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء”.

والغريب صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت، من غرُبَ وغرَبَ، ورَجُل غريب الأطوار: مُتَّسِم بما هو خارج عن المفهوم العامّ، ذو طَبْع يصعُب فهمُه، وهذا وجه غريب عليك: غير معروف منك، ويأتيك بكلّ عجيب غريب: بكلّ مدهش لا يُصدَّق.

والحقّ في هذا الزمان أصبح ملفوفاً بلفافة الغرباء، ويراه معظم الناس -الجهّال- أنه على خطأ، وما ذلك إلا لأننا في زمان الرويبضة، الذي قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: “سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة”، قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.

والتافه: في غيبة عن الحكمة التي تنتج عن العلم والتجربة، فليس عنده تجربة، وليس عنده علم، وبالتالي ليس عنده حكمة، فيصدّق عليه أنه رويبضة.

ومن الفتن ظهور الاختلاف، لكن ذلك لا يعنى إباحة الشتم والسبّ؛ بل وربما قد يصل بالبعض إلى لعن وتكفير من يختلفون في الرأي، فإيّاكم ثم إيّاكم ثم إيّاكم؛ أن يصل بكم الأمر لهذه الدرجة من السوء والإثم والغَيّ، وأذكركم أن الاختلاف سُنّة كونية، وكلٌّ سيُفضي إلى باريه (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

وأذكركم ونفسي بقوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

وإن من الأسباب التي تقي من الفتن: اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، والركون إلى العلماء الربّانيين، المشهورين بالاتباع والصلاح والاستقامة، والرجوع إليهم، والأخذ عنهم، والالتفاف حولهم وتوقيرهم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ليس منّا من لم يَرحم صغيرنا، ويُوقّر كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه”. ومن أسباب الوقاية أيضا: لزوم الجماعة، حسن السمع والطاعة، تقوى الله تعالى، وهي من أقوى أسباب النجاة من الفتن، يقول الله تعالى: (ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً)، و(ومن يتّق الله يجعل له من أمره يسراً).

نسأله تعالى أن يعصمنا جميعا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

هذا والله أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم، وصلى الله تعالى على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

aljnana637@gmail.com

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى