عيد بدون أم / د . محمد شواقفة

” عيد بدون أم ”

كما أنت دائما …. حاضرة في خيالي رغم الغياب …. منذ اعتدت على أن أكون بعيدا عنك و يتملكني يقين لا أدرك كنهه أنك معي …. ربما لا زلت أعيش الوهم بأنك لا تزالين في الإنتظار … و تسيطر علي مشاعر الإنكار بأنك قد تغيبين يوما ما….
كما أنت دائما … لا تزال صورتك قابعة على جدار ذاكرتي المهشمة …تبتسمين ….رغم تلك الدمعة التي تشق الجفون فتنسدل على خدك الذي حفرت فيه الايام تجاعيد زادتك بهاء و جمالا ….
كما أنت دائما …. أسمعك تتحدثين … رغم غياب صوتك و كلماتك قبل الموت و بعده …. تناجيني : أينك ؟ … و أنا لاه في غياهب الحلم و الاغتراب …. و لا أرد و لا أصيخ السمع لكلماتك التي سكنت قلبي و تملكت روحي و لكن عقلي لم يكن تحكمه ظررف الزمان و المكان …..
كما أنت دائما …. ضعيفة الجسد …نحيلة القوام …. لكن روحك الوثابة كانت تمدني بالأمل و الرجاء …. فلا أكتفي بقسوتي بالابتعاد …بل و أمعن في الهروب الى الامام … و اركض في كل الاتجاهات باحثا عن احلام عرفت انها جميعا لا تتعدى كونها أوهام ….
كنت كما أنت دائما …. رائعة في الشوق و متميزة في الحنين … لا ترغبين بأن يمسنا الحزن و لا ينتابنا الهم …. أسألك عن حالك فيكون جوابك حاضرا: كيفك أنت ؟! … أتوسل إليك أن تطلبي مني أي شئ … فتبادريني دوما: أن أراك بخير ! …لم أفهم حينها كل تلك المشاعر و لا تلك الأعطيات …. …
كنت كما أنت دائما …. نبعا للمحبة و محرابا يجمعنا فلا تفرقنا أهواء ولا أنواء…. لم ندرك أن ما يجمعنا هو أنت فقط ولا أحد غيرك …. نعانق بعضنا بحثا عن بقايا عطرك …. و لكن هيهات أن يكون الجزء بعضا من كل.
أبحث طي ذكرياتي المبعثرة عن لحظة … تغمرني العبرات و أنا أستمع لآخر الكلام و أعذبه …. تغالبني حشرجات عندما أتذكر في نظرات عينيك انكسارة الوداع …. و أغيب في دوامة الحزن و الألم بأن تلك كانت آخر النظرات …. و تشهق الروح ….
لا ترحلي يا أمي …. هناك كثير من الكلام كنت أرغب منك أن تسمعيه …. قصصي التي لم أحدثك بها …و لن يكون لها أي نهاية بعد اليوم …. أحضرت لك ثوبا يليق بك لتلبسيه و ترقصين عندما تستقبلينني في المطار ..!! .. ألا ترغبين أن تزين جداريتك بصور شهاداتي التي أفنيت عمري أجمعها لكي تفتخري بها أمام صديقاتك من الجيران ؟! …. أنظري لهذا الخاتم الجميل تزينه أناملك الرقيقة …. هيا تعالي لنذهب معا في سيارتي الجديدة لبيتي الجديد الذي طالما حلمت بأن تسكنيه …. زرعت في بابه وردا ملونا من ذلك النوع الذي كنت تحبينه …. ألا ترغبين بأن تحملي طفلي الجديد الذي لم يعرفك و لم تعرفيه …. إنه يشبهني كما كنت دائما تقولين …. ألن تقرأي عليه المعوذتين و تمسحي على رأسه بكفيك و لا تبكين ؟! ….
لا ترحلي يا أمي … فها هو العيد بكل جرأة و صلافة يعود من جديد ..و يطرق باب ذاكرتنا بدون استئذان .. ماذا ترغبين و أي شئ تحبين ؟! …. و أنا بين عجز و ذهول …لا أعرف كيف أرد عليه و ماذا أقول …. هل أعتذر منه عن موتي و عقوقي أم أخبره بأن طريقي للجنة بات مسدودا …. هل تطنين أنني أستطيع أن أخبره بأن سيدة قلبي قد رحلت و لن تعود …لا أظن ذلك ؟!

” عيد منقوص ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى